في زمن أصبح فيه الكثير من الناس يخلط الحابل بالنابل والغث بالسمين كما يقال في الأمثال العربية، لم تعد هناك معايير وأسس دقيقة لتسمية بعض الأشياء بمسمياتها الحقيقية و تقييم بعض الأحداث أو الأشخاص من مضامين ثقافة الأمة وعقيدتها الحقيقية ومبادئها الراسخة . ولذلك نرى ونلمس اليوم الكثير من مظاهر وأشكال الفهم القاصر أو المغلوط لبعض القضايا والمواقف والأحداث والتقييم المعكوس والخاطئ للعديد من الأشخاص أفراداً ومجموعات في مختلف المجالات المتصلة بحياة الأفراد والجماعات. وسوف أركز حديثي اليوم في هذه المقالة على تقييم الناس ونظرتهم للشخص المتدين أو الملتزم بمضامين وواجبات الدين الإسلامي الحنيف. فهناك من يحكم على الشخص أنه ورع ومتدين من علامة السجدة فوق جبينه أو طريقة حديثه أو ملابسه البيضاء ولحيته الطويلة وهناك من ينظر إلى الشخص على أنه متدين وملتزم لمجرد قيامه بأداء الشعائر الدينية الأساسية من صيام وصلاة وحج وعمرة بغض النظر عن أسلوب تعامله وعلاقته بالآخرين, وهناك من ينظر للشخص على أنه متدين وملتزم لمجرد انتمائه لعائلة متدينة أو لحزب ديني أو طائفة دينية أو مذهبية معينة .. ولاشك أن هذه النظرة القاصرة للشخص المتدين أو الملتزم في المجتمع من زاوية أو اتجاه محدد وضيق قد أفرزت العديد من السلبيات والشخصيات التي تسيء إلى قيم وأسس ومبادىء ديننا الإسلامي الحنيف وحياة المجتمع بسلوكها المشين أو تعاملها السيء البعيد عن قيم ومبادىء وأسس عقيدتنا الإسلامية السمحاء, رغم مظهر هذه الشخصيات الخارجي أو انتمائها الحزبي أو المذهبي أو العائلي الذي يوحي للآخرين بأنها شخصيات متدينة وملتزمة. فالدين الإسلامي الحنيف دين متكامل وشامل لكل مجالات الحياة, لا يرتكز في نظرته وتقييمه للمواقف والأحداث أو الشخصيات على جانب محدد أو زوايا ضيقة. فالشخص المتدين أو الملتزم بالمعنى الحقيقي الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف لا يقتصر على المظهر الخارجي للشخص أو انتمائه الحزبي أو المذهبي أو العائلي أو على مجرد قيامه ببعض الشعائر الدينية من صلاة وصيام وعمرة وحج ... الخ. بل يتعدى ذلك إلى أمور ومواصفات عديدة يجب أن يتسم بها الشخص المسلم أهمها ما يتعلق بسلوكه الشخصي اليومي وتعامله مع الآخرين من قيم وأسس وأخلاقيات ولهذا يربط الكثيرون بين الدين وتعامل الفرد مع مجتمعه فيقال “ الدين المعاملة “ ويقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في الحديث الشريف “ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” . ولا يتسع المقام هنا لذكر الآيات والأحاديث والنماذج الرائعة التي تزخر بها عقيدتنا الإسلامية في هذا الجانب, لكنني سأكتفي بالإشارة إلى أن هناك العديد من الأفراد غير المسلمين على مر العصور قد دخلوا في الدين الإسلامي لأسباب تتعلق بتعاملات وسلوكيات لمسوها بأنفسهم لشخصيات إسلامية ملتزمة جسدت قيم ومعاني الإسلام الحقيقية في سلوكها وتعاملها مع الآخرين ولنا في رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم القدوة الحسنة في حسن تعامله مع الآخرين وصدقه وأمانته وأخلاقه من قبل أن يكلف بالدعوة إلى الإسلام وخلال مسيرة حياته الحافلة بالعديد من الأحداث والمواقف التي تجسد عظمة هذا الدين ومبادئه الأساسية في التعامل مع الآخرين, هذه المبادىء والأسس التي أغفلها اليوم العديد ممن ينتسبون إلى الإسلام في بطاقاتهم الشخصية أو الحزبية أو في مظاهرهم الخارجية. فأساءوا بأفعالهم وتصرفاتهم البعيدة عن قيم ومضامين الإسلام الحقيقية والطاهرة إلى هذا الدين العظيم وشوهوا صورة المسلم الحقيقي الملتزم بأخلاقيات الإسلام ومبادئه الأساسية في سلوكه وتعامله مع الآخرين.