إن من آداب الحديث عن الآخرين إيفاءهم حقهم بأدب دون الانتقاص من ذلك الحق، وخصوصاً عندما يكون المتحدث عنهم ليسوا في مجلس الحديث، وهنا تظهر أعظم ميزة اتصف بها المسلمون وهي إنصاف الغائب أثناء الحديث أو المجلس، والأكثر من ذلك أن هذه الصفة يتعاظم شأنها في حالة الاختلاف في وجهات النظر بين المتحدثين والغائب عن الحديث، فإن من آداب الاسلام الحنيف أن يكون المتحدث شديد الحرص على المختلف معه في وجهة النظر، فلايسمح لأي من المتقولين تناول الآخر بالسب والشتم أو القول القبيح أو التجريح بهدف إرضاء الموجودين في المجلس والذين يختلفون مع الغائب مهما كان، وتلك سجية عربية إسلامية لايجوز إغفالها في حياتنا السياسية والاجتماعية. إن سجية إنصاف المختلف معه في وجهات النظر مهما كانت درجة الاختلاف ربما قد فقدناها في زماننا وأصبح الاختلاف فجوراً، بل يجعل من البعض آلة سوء وحقداً يتجاوز الحقيقة، ويخرج المتحدث من دائرة الورع والتقوى إلى دائرة النفاق والكذب والجور في القول والتجني وإثارة الفتنة وإشعال حرائق قول الزور والبهتان، وأصبح الذين يتعمدون التقول على الآخرين في منزلة الشياطين، رغم أن كلامهم المبالغ في النفاق والبهتان لايصدق من السامعين، إلا أنه يترك أثراً سيئاً لدى البعض ويثير الفتنة، لأن أقل فعل يصدر عن الشخص المفترى عليه دون قصد منه يثير الشكوك لدى بعض الذين سمعوا الافتراءات، وهنا تظهر بوادر الفتنة التي كانت نائمة فلعن الله من أيقظها. ولئن كنت قد أشرت إلى سجية إنصاف الغائب فلأني قد سمعت أقوالاً عن أشخاص هم فوق الشبهات، فنهيت المتحدث المبالغ عن قول مثل ذلك، وكان لذلك النهي أثره البالغ في المتحدث، لأنه قد يقال مثل ذلك القول في حقه من آخرين، وكنت لذلك المتحدث المبالغ الناقل لأقوال الزور والفتنة بالمرصاد فمنعته من الحديث والاستمرار في التجني على الآخرين، فرأيت من واجبي أن أنقل ذلك للقراء الكرام لنستفيد من سجية إنصاف المختلف معهم في الرأي، لأن تلك السجية تزيل الأحقاد وتزرع الثقة وتخلق التسامح والوئام بإذن الله.