« الفجورُ في الخصومة » صفةٌ مذمومةٌ تتنافى مع القيم الدينية والأخلاقية والمجتمعية، كون أحد الخصمين أو كليهما يسعى للوقيعة بالطرف الآخر، عن طريق أساليب تُناقضُ تماماً مبادىء التخاصم، كالكيد والتشفّي والتحريض والصمت وغيرها، لذلك قُوبلتْ بكل هذا المقتِ والرفض سواءً من قبل المُشرع أو المجتمع .. المتأمل لواقع المشهد السياسي يجدُ أن كثيراً من القوى قد بدأت في الانحدار نحو هذا المنعطف الخطير، وكأنها فقدت جميعَ الوسائل التي أتاحها الدستور للتعبير عن مطالبها أو تحقيق أهدافها دون النظر إلى العواقب الوخيمة لمثل هذا السلوك الذي ينمُّ عن ضيقِ أفقٍ وقصورٍ في الرؤية، وكل ذلك ناتجٌ عن قراءةٍ غيرِ واقعيةٍ للمستقبل وتداعيات الأحداث المُعتملة على الساحة. وإلاّ بماذا ستفسرُ تلك القوى صمتها حيال جرائم تقشعرُّ من هولها الأبدان وتُدمى من روعها القلوب بحق مواطنين أبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل ؟ جرائم تُعمّقُ من مشاعر الكراهية وتغذّي من الأحقاد بين أبناء الأسرة الواحدة؟ وأين غابت أو غُيّبت بياناتُهم من تلك الجرائم التي يُدينها حتى المجرمون أنفسهم ؟ بينما نجدهم يتهافتون ببيانات الشجب والإدانة عندما تمارس السلطات إجراءاتها القانونية في مواجهة أعمال التخريب والفوضى، وبل ويقفون إلى جانب المخربين عندما يطالبون بالإفراج عنهم دون محاكمتهم حيال ما اقترفوه من جرائم .. لطالما تساءلنا عن المستفيد من ارتفاع هذه الوتيرة من الأعمال الإجرامية والتخريبية ؟وكذلك عن النتائج العكسية التي تُخلفها على الظروف المعيشية للمواطن ؟وما هي المكاسب التي سيجنيها أيُّ طرفٍ وقد أُوصدتْ جميعُ الأبواب بوجه أي انفراج حقيقي يحفظ للجميع أمنهم واستقرارهم، ويسهمُ في إنعاش المجتمع اقتصادياً وتنموياً ؟ فتوالي الأحداث بهذه الصورة الدراماتيكية يجعلنا وبكل صراحة نتساءلُ أكثر عن الأفق المستقبلي، وعن الصورة التي يُكابرُ البعض على إبقائها ضبابية بل ويتمادون في دعمها والنكوص عن رساميها من محترفي الفتن ؟ بدلاً عن أن يسهموا في تجليتها .. وإذا كانوا يسعون لكسب الشارع وهذا من حقهم طبعاً فذلك لن يتم إلاّ من خلال وسائل حضارية تعكسُ مدى النضج في الممارسة الديمقراطية وترسخ قيمها، لا عن طريق إثخان الجراح وتعميق الشرخ بين الإخوة. لقد بُحَّتْ أصواتُنا ونحن ندعو للحوار باعتباره لغة العصر الراقية والأنموذج الأمثل لحلحلة كافة القضايا الخلافية للوصول بالبلد إلى بر الأمان, إلاّ أن تلك الدعوات سُرعان ما تتبخر في الهواء وتقابل بإذنٍ من طين وأخرى من عجين، بالذات وأن هناك شياطين من الإنس لا يروق لهم إلا العيشُ في أوحال الفتن، فتراهم يشككون في النوايا ويختلقون الأباطيل والأعذار لعرقلة أي تقدم، بل ويطالبون بالمستحيل.. وإذا ما افترضنا أنهم يُحدثون أنفسهم أن من شأن هذا الصمت لي ذراع النظام، فعليهم أن يتذكروا وبحسبةٍ بسيطةٍ بمقياس الربح والخسارة، أن المواطن لن يقف إلاّ إلى جانب من يعملُ على ترسيخ الأمن والاستقرار في البلد ويوفر له العيش الكريم ويحفظ حقوقه ويصون حرياته, لا إلى من يراهن على إفقاره وتخويفه وسد جميع الآفاق بوجهه, كون ذلك الرهان خاسراً بكل المقاييس والاعتبارات، خاصة وان المشهد الراهن يتحدث عن نفسه مهما زايد البعض أو غالطوا أو كابروا.. فلماذا كل هذا الفجور في الخصومة ؟ وإلى متى سنظل نُبحرُ وسط الأمواج المتلاطمة ؟ بدلاً من تمهيد الطريق لأجيالنا وتعزيز الثقة وثقافة الإخاء والمحبة والتسامح والقبول بالآخر، والتفرغ لبناء وطننا . والعاقبة لمن اتقى.. [email protected]