هل معقول أننا طيلة هذه السنين المنصرمة من عمر اليمن الحديث لم نعرف كيف نقدِّم أنفسنا للآخرين .. ولم نُحسن عرض بضاعتنا في سوق الافتتان والإعجاب؟!.. مكوناتنا الحضارية والسياحية نزهد بها.. وينمحي من ذاكرتنا كل يوم شيء من الدهشة بروعة ما نملك .. فافتقدنا الإحساس بمسئولية في لفت الآخرين إلى أصالة ما نعرض، وجودة منتجنا السياحي الذي لا تنضب آبار نفطه ولاتتضاءل ذرات معادنه، ولا تنفد مكامن السحر فيه. جاء “خليجي20” بنجاحه الباهر ينثر أوراق المكاشفة على كل طاولة.. ليحكي حكاية القصور في الآليات التي نتبعها لترويج السياحة في بلادنا.. وقفتْ كل الوفود الخليجية المشاركة في البطولة تعيد النظر كرتين في إطلالة “عدن” زهرة المدائن العربية، لكنها عادت تؤكد أنها تحار أمام جمال أخّاذ وسحر فريد تضاهي به “عدن” أروع مدن العالم وأجملها. قال الخليجيون في مواقف قرأتُها وشاهدتُها وهم مأخوذون ببهاء مدينة لم يزرها كثير منهم من قبل: لم نكن نعلم أن “عدن” بهذه الصورة.. أين مدن العالم التي زرناها من هذه الروعة التي لم نسمع عنها من قبل.. عدن مدينة جميلة وجميلة جداً.. ولكن “سنفرغ لك ياعدن!!” فهذه الزيارة ليست لكِ ولن تفيَ بحقك.. نحن عائدون عائدون!! وإحداهن قالت على شاشة التلفاز في برنامج حواري: صحيح هناك مدن خليجية ذات طابع حضاري متطور وجميل، لكننا نقولها صراحةً: إن هذه المدن ليست بهذا الجمال الذي أخجلت به عدن عيون ضيوفها وأسرت قلوبهم. وأخرى قالت إنها عندما أرادت أن تطير إلى عدن منعتها أمّها، ولكنها بفعل ما وقع في نفسها من شوق لزيارة هذه المدينة دبَّرت حيلةً وسافرت، وحقّقت أمنيتها. ونحن اليمنيين نقول: إن هذه النماذج من مواقف الإعجاب لهي حكمة خليجية بالغة .. فما يغني الجهل بما سنحصل عليه من عوائد الاستفادة من المكون السياحي .. كماهو الأمر عند الآخرين الذين أصبحت السياحة في استراتيجيتهم أبرز الموارد الاقتصادية التي تغذي حركة التطور والنهوض. نحن نحتاج إلى مشاركة المنتج السياحي مشاركةً فاعلةً بحقّ وحقيقة في بناء هرم الاقتصاد الوطني .. أما الأرقام المجردة والنسب الافتراضية فإنها “مغاواة”.. وصدقوني أن السياحة اليمنية فيما لو دخلت حيز المنافسة بعزم وجدّ وآليات متطورة فإن النتائج ستكشف عن نفسها للجميع .. وسيلمسون خيرها في كل مكان قبل أن تأتي لغة الأرقام لتؤكد ذلك. وهل نسينا أن دولةً مثل الأردن ليس عندها شيء من الثروات الوطنية، لكنها اتخذت من السياحة العلاجية مصدر دخل أساسي تمضي جهودها في تطويره والحفاظ عليه، وهي اليوم قبلةٌ لكل مريض!!. ينبغي أن نبحث عن الوسائل التي تلفت أنظار الأشقاء أولاً لتكون اليمن مقصداً سياحياً يُقدَّم على غيره من المقاصد السياحية الأوروبية .. فنحن أحق بعوائد الأفواج السياحية العربية التي تتنقّل بين مدن العالم بإحصائيات وأرقام مهولة.. نحن جديرون بهذه الاستفادة لروعة المكوّن السياحي الذي نملكه ويندر أن يتوافر لكثير من غيرنا.. فهناك السياحة الصحراوية والسياحة الجبلية والسياحة العلاجية والسياحة التراثية والسياحة المدنية .. وكلها مكوّنات ثرية وتلبي مختلف الرغبات.. لكن كيف نستثمر في هذا المجال في ظل القصور الذي لايزال يضعف الهمم ويجفف ماء الدهشة والإعجاب على صفحة وجوه الزائرين.. كيف يكون الأمر صالحاً والسائح أو الزائر لمدينة المحويت وجبالها الخضراء لابد أن ينام في صنعاء, أو يسافر المسافات البعيدة عن موقع الزيارة حتى يجد دورة مياه نظيفة!! والأمر نفسه في زيارتهم للحمامات الكبريتية في “دمت” .. ألا يفترض أننا نكون قد عالجنا هذه المشكلات قبل سنين، وأعود لأكرر ما بدأت به فأقول: هل من المعقول أننا طيلة هذه السنين المنصرمة من عمر اليمن الحديث لم نعرف كيف نقدم أنفسنا للآخرين, مع أنه أمر مستطاع، والدليل فرادة الأداء ونوعيته التي ظهرنا بها في “خليجي20” ؟!. [email protected]