رسم الإسلام خطوطاً عريضة للاهتداء بها، وترك الكثير من التفاصيل لبنى البشر, وجاء الإسلام منهجاً وسطاً وملبياً للطبيعة البشرية بأشواقها الروحية وغرائزها الجسدية, ولم يكف علماء الإسلام طيلة العصور السابقة عن الاجتهاد لاجتراح مفاهيم وأساليب تراعي مقتضيات العصر دون الخروج عن روح النص أو المنهج الذي رسمه الإسلام في الاجتهاد، مراعياً المقاصد العليا، والتي تتمثل بحفظ الروح والمال والنسل والدين..الخ. لقد التزم المسلمون الأوائل بتلك المنهجية الصارمة عند الاشتغال مع النص الديني دون أن يتعلقوا بجزئيات أو فرعيات هي في الحقيقة من مخرجات المنهج، وهي نتاج إعمال العقل البشري جاءت في حينها لتلائم المستوى الثقافي لذلك العصر وملبية لحاجة ملحة وقتذاك، ومسايرة لبيئة بسيطة تميز بها المجتمع الإسلامي الأول, ونحن لسنا ملزمين حتماً بتلك المخرجات. ولنضرب مثالاً على ذلك, فقد كانت الصلاة جماعة في المسجد مضاعفة الأجر, والسؤال هل الهدف والمغزى هو الصلاة جماعة وفي أي مكان أو تحديداً في المسجد.. نعتقد مخلصين أن الهدف من الجماعة هو الجماعة نفسها وليس بالضرورة في المسجد؛ لأنه متى عُقدت الجماعة سواء في المنزل أو في مقيل أو في طريق سفر فإنها تعد وتدخل ضمن الصلاة الجماعية، ولكنه ولما كانت الحياة بسيطة في الماضي الزاهر للإسلام، ولما كانت البيوت بسيطة وبالكاد تتسع لبضعة أنفار فقد كان المسجد هو المكان الملائم لسعته. أما وقد تعقدت وتشعبت الحياة واتسعت المنازل فإن صلاة الجماعة يمكن أن تعقد في أي مكان بشرط توفر عدد أكبر من الناس لاسيما ونحن في عصر الانفجار السكاني. وكذلك هي مسألة الملبس ومسائل أخرى، إذ الهدف أن الإسلام وسّع ولم يضيق في عصر ازدهاره وإنما لجأ الناس للتضييق؛ لأننا في عصر انكماش حضاري ودون مسوغ. ومصيبتنا اليوم هي من فقد أو عطل عقله، وأصبح يعيش على مقولات مستهلكة وأحكام جاهزة دون أن ينخرط في قراءة حديثة للنص تراعي التطور وممكنات الحياة الحديثة, ودون أن يرى الإسلام ونواهيه ومراتبها في مستويات, فالمعروف مستويات وطبقات وكذلك المنكر, وهناك أحكام تنتقل من الضد إلى الضد.. فالخمر حرام ولكن عندما يكون الخمر إنقاذاً لروح من الهلاك بنصيحة طبيب محترف فإن الإسلام يوجب على المريض هنا تناول الخمر تفادياً للموت وعملاً بالأسباب، وما ذلك إلا حفاظاً على المقاصد العليا للإسلام والمرامي البعيدة للدين وهي حفظ الدين, النسل, الروح..الخ. إننا بأمس الحاجة لتفعيل علم الحديث والنظر بزاوية جديدة للمتن بدل السند، فهل من الممكن أن نحاكم السند وننسى محاكمة المتن من حيث اتساقه مع المنطق والعقل حتى نعرف الأحاديث الموضوعة من الصحيحة بعدما كان القدماء يركزون على الراوي وعدالته وصدقه. وكذلك نفعل مع السيرة النبوية من حيث النظر إلى الشق الأخلاقي والتربوي في مسيرة الرسول بعد أن ظل التركيز قديماً على الشق السياسي والعسكري, فنحن بحاجة اليوم لرؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو حاكم سياسي يتصرف كرجل دولة وحاكم مدني قد يخطئ في بعض المواضيع البشرية فيصوبه أصحابه كما حصل في بدر والخندق وننظر إلى تعاملاته مع الجيران والأسرى والعلماء والزوجات بعد أن ركز القدماء كثيراً على معاركه وعلى كونه يوحى إليه (أي على كونه نبي فقط). وينبغي أن نعترف بالقصور المفاهيمي والتسطح المعرفي والنزوع للأهواء التي من خلال غلالتها ننظر للحقائق منقوعة برغباتنا وأمزجاتنا وليس بشكل مجرد. إن الادعاء أننا نقبض على جوهر المعنى، ونمتلك دائماً الصواب هو الدمار بعينه؛ لأن العصمة ليست في وارد البشر. وعلى الدولة التوسع في التنمية الاقتصادية وفتح المجال لحرية الرأي والاهتمام بالرياضة وتوسيع لامركزية الحكم وعدم اقتصار التنمية على مناطق القلب بل التركيز على مدى الأطراف وكذلك إيلاء الريف أهمية بالغة لاسيما و70 % من سكان الوطن العربي يتركزون في الأرياف؛ لأن من شأن ذلك تجفيف روافد التطرف.