ثمة أمور نتغافل عنها ونضعها في مساحة الإهمال ولا نعطيها أدنى اهتمام, حيث تمر من أمامنا مثل السائر في المنام ومن بين هذه الأمور المهمة والتي بحاجة إلى عناية كاملة تظل مسألة الحفاظ على الآثار ذات أهمية كبيرة باعتبارها ثروة سيادية تتلمح بالثقافة والتاريخ والحضارة الضاربة أطنابها في الأعماق. مسألة الآثار ستظل شائكة ومعقدة مادام هناك عدم معرفة بمترتبات ذلك الإهمال الذي طال ويطال العديد من المواقع الأثرية المترامية على أديم أرضنا الطيبة حيث العبث اللامسئول والنبش والحفر غير المنظم وكذا ضياع العديد من اللقى الأثرية في غياهب اللامعلوم وأرضنا الحبلى بالعديد من المواقع التي وثّقت في ملفات المنظمات الدولية المعنية بالآثار لا نعلم عنها شيئاً يذكر وبزيارة لذوي الاختصاص لهذه المواقع سيدركون مدى أهمية هذه الثروة السيادية التي تمر دون أن نعلم بأهميتها وقيمتها العلمية والتاريخية. ومع أن هناك هيئة عامة للآثار معنية بالحفاظ على الآثار والتنقيب عنها إلا أن ما نراه ليس سوى إكمال خطة أو مرافقة بعثة ينبش أصحابها ما تيسر لهم من لقى أو قطع وتذهب البعثة مثل ما أتت به دون أن نعرف نتائج التنقيب وفائدته على الوطن. الكثير من البعثات الأثرية قامت بالتنقيب منذ الخمسينيات من القرن الماضي في مواقع محددة ومختارة وخرجت بحصيلة كانت مرئية وملموسة سواء في مأرب أو شبوة أو حضرموت وظهرت جوانب عديدة لامست مراحل قديمة في التاريخ اليمني وتحدثت عن السائد والبائد في خارطة معرفتنا التي كانت مضيئة. ولكن ما نشاهده اليوم من عبث وإهمال وتغاضٍ سواء متعمد أو غير متعمد تجعلنا نصرخ بأعلى صوت أن الآثار في خطر، حيث نهتم بالقشور من الأمور دون الاهتمام بالأهم في حلقات ضائعة نعرف مرتكزاتها وعمق مآربها التي تشيب الولدان. اللافت أن الآثار في نظر البعض عبارة عن أحجار و(شخاطيط) لا يجب أن نهتم بها باعتبار أن هناك أولويات يجب أن نعطيها الاهتمام الكبير، هذه النظرة القاصرة من قبل البعض هي تحصيل هذا العبث الذي يطال ثروتنا السيادية ونحن في سبات عميق. يحضرني هنا قول الدكتور عبدالحليم نور الدين ، رئيس هيئة الآثار في جمهورية مصر سابقاً وهو يتحدث في ندوة أقيمت في مدينة عدن بعنوان: (الحضارة اليمنية) وشارك فيها اساتدة وباحثون ومهتمون بالآثار من دول عربية وأجنبية، وهو يتناول حال الآثار في الوطن العربي وخصوصاً اليمن, حيث قال صارخاً : (الأرض أولى بآثارنا) مفنّداً مقولته: إننا إذا لم نستطع الحفاظ على الآثار التي نقوم بالتنقيب عنها في باطن الأرض ونهملها فإن باطن الأرض هو الملاذ الآمن الذي يمكن أن يحفظ هذه الآثار وسوف ننقب عنها وننبشها متى ما عرفنا قيمتها. كنت في زيارات سابقة لعدد من المواقع الأثرية في شبوةوحضرموت وأبين حيث اعتصرتُ ألماً وأنا أرى العبث بالنقوش المحفورة على الصخور وبعض المواقع التي تم تخريبها وأخذ حجارتها لأجل البناء دون أن تقوم الجهات المعنية بردع أولئك الفاعلين. القضية الأهم الآن أن نعمل وبكل اهتمام على غرس الوعي الآثاري في الصفوف الأولى من المراحل الدراسية والتعريف بأهمية الآثار وقيمتها التاريخية حتى نحس بأن هذا الأثر أو القطعة بمثابة ثروة لا يمكن استبدالها أو بيعها أو العبث بها وهذا يقع على كاهل مؤسسات التعليم العام والجامعي باعتبار بلادنا من البلدان الغنية بالآثار والتاريخ والحضارة التي يتحدث عنها الآخرون بعراقتها ونحن لا نولي هذا الشأن أي اهتمام. إجمالاً .. أضم صوتي إلى صوت الدكتور عبدالحليم نور الدين أستاذ الآثار في جامعة صنعاء سابقاً والرئيس السابق لهيئة الآثار المصرية أن الأرض أولى بآثارنا بدلاً من هذا التغييب المتعمد لأهم ثروة لا تنضب.