يعاني الفكر الإسلامي بعض الأمراض المزمنة التي لا سبيل للتعافي منها إلا بمراجعة نقدية لكل الخطابات المتشنجة “والكيدية أحياناً” والتي تؤشر على ضحالة أصحابها وانسداد أفقهم، ومن تلك العلل تخوين الآخر وتفسيقه لمجرد الاختلاف في الرأي، حيث يذهب القاعديون إلى حد إصدار الحكم على دول أو أحزاب أو جماعات بعينها بأنها مارقة عن الدين أو صابئة عن الشريعة، كما لو كانت الشريعة ملكاً لجماعة بعينها تملك حق احتكارها “كوكيل حصري” واستطراد الوصاية على الناس باعتبارها “أي الجماعة” المرجع والمعيار التي يجب أن يحتذي بها العباد. وما ذلك سوى مؤشر على الاستبداد بكل أطيافه والذي يبدأ بالاستبداد السياسي ثم ينتشر ليأخذ شكلاً آخر هو الاستبداد الفكري والذي يعد صورة مستنسخة للاستبداد الاجتماعي بما هو نظام من التراتبية يخضع فيه الأدنى لمن هو أعلى منه بشكل يكرس الطبقية والاحتقارية. إن الإسلام أوسع وأكبر من أن تحتويه جماعة أو حزب أو دولة، فمابالك بأفراد معدودين لم يقرأوا سوى بضعة آيات أو أحاديث، وهو لذلك لا يقبل أن يتحدث باسمه أحد، إذ إنه ملك للأمة جمعاء وعلى عاتق كل فرد مسئولية الاجتهاد طالما توافرت شروط المجتهد فيه، دون الإدعاء أن هذا الاجتهاد الشخصي يمثل جوهر الإسلام أو يمثل الحقيقة المطلقة، وعليه تالياً احترام آراء الآخرين باعتبارها تصب في مجملها في باب وجهات النظر المشروعة لكل فرد، على أن ذلك مصدر إغناء وإثراء للشريعة بماهي صالحة لكل زمان ومكان، وليس كما يدعي القاعديون مصدراً للانقسام والشقاق. إنه لا سبيل للحد من المتطرفين سوى بتوطين العلم وتفعيل المنهج الديمقراطي باعتباره المدخل والرافعة الأساسية لأي نهوض بالتوازي مع تنقية المناهج من النظرة الأحادية، وبالترافق مع فتح المجال أمام الإبداع واحتضان الشباب الذين تتخذهم القاعدة دروعاً بشرية وتتخندق وراءهم باعتبارهم المغذي لأنشطتها. وليس من المبالغة القول إن القاعديين بقدر ما يدعون إلى حماية الدين من التغريبيين والعلمانيين «كما يدّعون» بقدر ما يهدمون أسس الدين ويرتكبون الموبقات ويمارسون أبشع المنكرات، إذ إنه ليس من الإسلام ممارسة الحرابة كما يفعلون من قتل جنود الأمن أو رمي القنابل في مناطق الاكتظاظ السكاني. إن تحويل التفسيق والتكفير إلى سلاح نلوح به عند اختلاف الرأي أو أثناء الحراك الاجتماعي لهو لعبة قذرة قد تنطلي على أناس محددين، لكنها سرعان ما تنكشف بحكم طبيعة البشر المجبولة على قدرات الفرز بين ماهو زبد الفكر وعمقه.