يبدو أنه في عالم السياسة كل شيء مباح ولا وجود لخطوط حمراء أو ثوابت واضحة عند البعض من قادة الأحزاب السياسية المعارضة وخصوصاً التي تدعي لنفسها الصلاح والتقى والزهد والورع وأحيانا القداسة في استراتيجية سياسية تعبر عن قمة صور الانتهازية السياسية لتوظيف الدين الإسلامي الحنيف في إطار اللعبة السياسية خصوصا في مجتمعاتنا العربية التي هي في حقيقة الأمر مجتمعات ذات نزعة روحية شديدة وعاطفة جياشة كبيرة تجاه ديننا الإسلامي الحنيف الذي يمتلك من القيم الإنسانية العظيمة والنبيلة ما جعله منظومة أخلاقية تفوقت على كافة الديانات والشرائع السماوية وعلى كافة المواثيق والقوانين والقيم الإنسانية الوضعية التي توصلت إليها البشرية في مجال الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان عبر تجاربها التاريخية والحضارية التي خاضتها منذ عصر نشوء الدولة في مراحل تاريخية مبكرة جدا وحتى يومنا هذا. ومن البديهي بل والمسلّم به هو أن لا أحد يجادل في عظمة الإسلام وسماحته وسلامة مقاصده الحقيقية التي من أولوياتها تحقيق سعادة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة من خلال الدعوة إلى السلام والتسامح والتراحم والتعاون وقول الحق وعدم اتباع الهوى والتحذير من الفتنة والتنازع والخصام والفرقة والشتات التي تؤدي إلى تمزيق المجتمع وإضعافه وضرب وحدته الوطنية التي هي أساس القوة ومصدر العزة والنمو والتطور والتقدم والازدهار والاستقرار والأمن والأمان التي لاغنى عنها لأي مجتمع من المجتمعات ولا لأية دولة من الدول كانت صغيرة أم كبيرة متقدمة أم نامية غنية أم فقيرة قوية أم ضعيفة , حيث يمثل الأمن والأمان والسلام والاستقرار في منظور الإسلام القاعدة الأساسية لبلوغ العزة والكرامة والقوة المنيعة التي لا تتحقق من دون طاعة ولي الأمر ومؤازرته في إدارة الدولة وتسيير شؤون البلاد والعباد , وهذا يتحقق في واقعنا الراهن من خلال الالتزام بالنظام والقانون وعدم الخروج عن الدستور والقوانين واللوائح التي تنظم حياتنا في عالم اليوم. غير أنه وللأسف الشديد نجد الكثير من أحزاب وقوى المعارضة في اليمن والعديد من الدول العربية وخصوصا تلك الأحزاب والقوى التي تقدم نفسها على أنها إسلامية ترفع شعار “الإسلام هو الحل” في بلدان ومجتمعات مسلمة ومتدينة يمثل الدين الإسلامي روحها وحياتها ولا تحتاج لشعارات براقة ظاهرها ديني وباطنها سياسي بحت, الهدف منه دغدغة العواطف وكسب تأييد السواد الأعظم من الناس وتجنيدهم سياسيا للوصول إلى غايات وأهداف تلك الأحزاب , والتي هي بطبيعة الحال سياسية صرفة لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد , وإنما اعتقدت تلك الأحزاب والقوى أن أسلوب توظيف الدين واستغلاله طريقة سريعة وسهلة للوصول إلى الهدف السياسي المنشود منطلقين من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وهو مبدأ يتناقض مع سمو ونبل أخلاقية وقيم الإسلام العظيمة. وفي إطار سياسة الإدمان التي تتبعها تلك القوى والأحزاب في المتاجرة بالدين الإسلامي الحنيف لاحظنا الكثير من قيادات تلك الأحزاب والقوى وهي تطل علينا من خلال بعض القنوات الفضائية , تتحول بشكل غريب من شعار “الإسلام هو الحل” إلى شعار “الحرق هو الحل” في خطاب سياسي خطير يحرض الشباب على حرق أنفسهم والانتحار عمداً , رغم أننا نعرف جميعا أن الله حرم على عباده قتل أنفسهم مهما كانت الظروف والأسباب , وتوعد من يفعل ذلك بالعذاب الشديد , فهل فكر أولئك السياسيون الذين يبشرون الناس بالإسلام أن هذا حرام وأن تشجيع الناس وتحريضهم ودفعهم لحرق أنفسهم حرام أيضا وجرم كبير , أم أن كل ما يهم أولئك السياسيون هو الوصول إلى السلطة بغض النظر عن الحلال والحرام , حتى لو كان ذلك على حساب جثث وأجساد الأبرياء المتفحمة والمحروقة , وحتى لو كان ذلك عن طريق إشعال الفتنة والخروج على ولي الأمر الذي أمرنا الإسلام بطاعته. كل هذه الأمور تفضح تلك الأحزاب والقوى التي طالما تاجرت بالدين الإسلامي وتغنت به طيلة السنوات الماضية وإلا كيف تستطيع تلك القوى تفسير مواقف قياداتها وهي تحرض وتشجع الناس على الانتحار حرقا وتدعو إلى الفتنة العارمة في تناقض واضح مع وصريح وجوهر الشريعة الإسلامية السمحاء التي تحرم الانتحار والفتنة على حد سواء. * باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني - أستاذ الإعلام بجامعتي العلوم الحديثة والمستقبل [email protected]