لا يمكن استقامة أي عملية في الحياة العامة ما لم تكن مرتبطة ارتباطاً روحياً بالفعل الذي يجعلها ذات حركة مؤثرة في شتى الجوانب, حيث نلاحظ أن إبقاء بعض الأمور في دائرة الإهمال تجر نفسها قليلاً حتى تصبح مثل كرة ملتهبة لا يمكن الإمساك بها. كثيراً من القضايا نضعها في سلة النسيان مع أنها مهمة في حياة الناس، ولكن عنصر التغاضي (البليد) يدحرجها على رؤوسنا دون أن ندري وتصبح فيما بعد مشكلة بحاجة إلى حلول وموضوع تداول وشد وجذب في الوقت الذي يسير الزمن دون توقف و(يكوهها) حسب التعبير العامي. في المشهد العام ثمة قضايا ليست بحاجة إلى معالجة وقتية أو مماطلة ونراها تدخل في محيط التماطل مع سبق الإصرار والترصد من الجهات المعنية كالقضايا المنظورة في المحاكم التي لا تخلو منها أي محكمة في بلادنا. هناك العشرات والمئات من القضايا التي تهم الناس وبحاجة إلى الفصل فيها منها الاجتماعية والتجارية ونراها لا تمر بسرعة بحجة غياب القاضي أو عدم اكتمال الحيثيات أو الملفات, هذه الطريقة من التعاطي مع قضايا الناس عكست نفسها تماماً في نفسية المواطن الذي يرى في القضاء مضيعة للوقت دون أن يأخذ حقه القانوني عبر الوسائل والطرق الحضارية, ونسمع فيما بعد أن فلاناً ارتكب حماقة في أخذ حقه بيده في أسلوب لا حضاري أوصلته طواحين الروتين القاتل إلى هذا الأسلوب. كما نسمع ونقرأ أن فلاناً ظل متردداً على المحاكم والنيابات, وأصبحت المراسلات والتعقيبات والأوامر والتوجيهات تشكل جبلاً من ورق أو كيلومترات طولية نتيجة الإهمال. ولا يقتصر هذا الأمر عند هذا الشأن, بل إن هناك حلقة ناقصة في التفهم لظروف بعض الناس الذين يتبعون الطرق الحضارية في متابعة قضاياهم ونحن نجعلهم يتخذون قرارات متسرعة وحمقى نتيجة عدم إحساسنا بمشكلاتهم ومعاناتهم ويستنسخون طرقاً عديدة من الإفساد لهذا الموظف أو القيادي في هذه المؤسسة أو تلك وتتولد بعدها الأمراض الإدارية التي تنخر الجهاز الإداري. والسؤال الذي يقف أمامنا الآن يتركز على كيفية إيجاد قراءة جديدة لواقع المشكلات المتراكمة والمتوالدة في هذه المؤسسات الخدمية التي تتعامل مع الناس مباشرة ومازالت غائبة من ذهنيتها سرعة البت في القضايا الحياتية دون تأخير. في اعتقادي أن بقاء العديد من القيادات الإدارية في المؤسسات الخدمية مدة أطول في هرم الهيكل الإداري وعدم وجود المتابعة والرقابة والتخطيط كمفهوم إداري بحت في علم الإدارة يجعلها تحس أن الإهمال المتراكم وعدم الاهتمام يساعدها على البقاء أطول في مكانها دون وجل أو خوف من المحاسبة, ولكن إذا أدركت أن الوظيفة الإدارية ليست سوى تكليف فإنها بلا شك ستعلم أن ازدياد نشاطها سوف يجعلها محل ثقة وهذه هي الحقيقة. اللافت أن تدوير الوظيفة الإدارية ليس في الحسبان في اعتقادي وإلا إذا قمنا بتفعيل هذا الجانب سنقضي بالفعل على الكثير من الاختلالات التي نراها ولا نستطيع أن نقوم بعمل شيء أمامها.