في سبيل التوعية الوطنية الصحيحة يجري تبيين الحقيقة التي لم يتبينها.. أو تناساها.. بعض الصغار فجعلوا«المرجفين في المدينة» يبثون أنباءً عن صدور تحذيرات من “البراغلة” حسب التعبير الشائع والدارج عن أبناء “اليمن الأسفل” – حسب تسمية قديمة لمناطق اليمن الجنوبية - وكذا نداءات تحض على خروجهم من صنعاء، مستفزين بذلك أحاسيس أبناء اليمن جميعاً، شماليين وجنوبيين، تهاميين ومشرقيين، مدنيين وريفيين، حضريين وقرويين، قبائل ومثقفين. وسواءٌ أصحت تلك الدعايات والادعاءات أو لم تصح، فنظراً لجهل القائلين بها والمرددين لها، ينبغي التذكير بأن بات من الصعوبة بمكان خروج المرء عن جلده، أو تخليه عن معتقداته الراسخة وهويته الكامنة، وتحديداً أن يُنزع عن عاصمة اليمن الواحد وغيرها من المدن هويتها “البرغلية” بعدما “تبرغلت” رغم خصائص حضارية عميقة.. إذ يجهل أولئك المرجفون أن منازل صنعاء ودورها، شارك في بنائها يد جل بني اليمن.. وأن اقتصاد البلد تغذيه أموالهم.. وسلطة البلد ومعارضتها تساندهما جهودهم.. وثقافة الناس أسهمت في تشكيلها عقولهم.. وخطط التنمية وأولويات المستقبل صيغت بأفكارهم وأقلامهم.. وصحة المواطنين ترعاها نفوسهم الطيبة، لا باعتبارهم مستأجَرين دخلاء على مكونات المجتمع، كل المجتمع، بل لكون انتماءاتهم مكوناً أساسياً لنسيج المجتمع مثلها مثل القبلية والحضرمية والتهامية والبدوية.. من قبل وخلال وبعد انطلاق أنّات الإصلاح والتغيير والثورة اليمنية في القرن العشرين من مدنهم التي تكونت فيها خبرات ومهارات وقيادات وطنية لا تُنكِر - إذ لا ينكَر لتلك المدن - فضلها التاريخي العظيم والنبيل على كل اليمن وشخصياته التاريخية.. حيث منها هب آباؤهم وإخوانهم لنجدة صنعاء وفك الحصار عنها عسكريين وشعبيين، مشايخ ومدنيين، تجاراً وعلماء، مثقفين وأميين، وهمهم النصر والثبات للجمهورية دون أن يهتموا لمراكزهم فيها.. وإن شذ أحدهم نهره ملايينهم، وإن اتهمهم أحد بالطائفية والمناطقية دحضوا التهمة عملياً بأن يعملوا لليمن.. كل اليمن، فظلوا قاسماً مشتركاً بين صنعاء وعدن.. إذ هم من عناهم البردوني: “(جنوبيون) في صنعا.. (شماليون) في عدنِ”! وكانوا “الشطر المعذّب” بين الشطرين “المحتل والمعتل”.. لكن شعارهم أبداً ما صاغه شاعر الوحدة الوطنية “الفضول”: ليس منا أبداً من فرقا ليس منا أبداً من مزقا ليس منا أبداً من يسكب النار في أزهارنا كي تحرقا وهكذا يعز أن تجد منهم ملكياً قاتل جمهورياً، أو انفصالياً صارع وحدوياً، إنما العكس، فهم من عمّق وغرس الثوابت الوطنية: الثورة والجمهورية والوحدة.. فامتدوا في طول البلد وعرضه وكانوا أحرص الناس على هيبة الدولة ونفوذها وتنمية الأرض والإنسان، في كل مناطق اليمن لولائهم الثابت لوطنهم الواحد، على اختلاف خلفيات ومنابع ومشاعر قياداته المتعاقبة والمتغيرة. ولإدراكهم أن كل اليمن لكل أبناء اليمن، من قبل ميلادهم وبعد مماتهم، بذلوا جل حياتهم، ولن يأبه أو يكترث “الرعويون المبنطلون” والمشايخ المدسملون” لدعوات إخراجهم إن صحت، وجهود تنفيرهم ومشاكستهم وقد أهدرت، إذ تبلدت أحاسيسهم إزاء تلك الصغائر فكبروا على تصنيفات ضيقة يطلقها “فقراء الوعي” بتاريخ البلد وتضحيات جل أبنائه “البراغلة” مع المشايخ والعسكريين.. وحتى وإن خرجوا.. فكما “تقبيل” و”تحضرم” اليمن، “تبرغل” اليمن كله! صار اليمن “برغلياً”، بجل أبنائه الذين تنسموا طيلة حياتهم هواء صنعاء التي بنتها كما بنى كل اليمن جهادهم وتضحياتهم وعطاؤهم وكدهم وتعبهم.. فلا تفريط من جل أبناء اليمن - بتأثير جهل دعاية ثلة من إخوانهم هداهم الله - في وحدتهم وجمهوريتهم وأمنهم واستقرارهم الذي قدموا له أكثر من غيرهم وبنوه ودعموه وصنعوه لخير اليمن.. كل اليمن، مهما تضرروا وحُرموا واضطهدوا وأُهملوا أو فقدوا من ثمين استغله أحياناً كل رخيص! وسيبقى بذلنا أسطورة تملأ التاريخ نفحاً وعطورا كلما طافت بنا مكروهة ملأت أرواحنا صبراً جسورا إنما يحق لهذه المدن طالما وقفت “الموقف” اللائق طيلة تاريخ اليمن، ووجهت “الرسالة” المباشرة للمرجفين الصغار والكبار، طيلة حياتهم، أن يروى ظمأها ويُعتنى بها حقاً، جزاء ما قدمت لكل أرض الوطن، بأبنائها صغاراً وكباراً. [email protected]