في البدء لابد من أن أعترف بأنني ككل اليمنيين قد شعرت بالحزن والأسف الشديدين على مافقدناه من الشهداء الأبرار الذين سقطوا ضحايا الجنون على السلطة الملونة.. الحزن على هؤلاء الشباب الذين سفكت دماؤهم وأزهقت أرواحهم في صراع على السلطة لاناقة لهم فيه ولاجمل.. والأسف لأن الخوف على السلطة أو الطمع فيها هو المحرك الوحيد لهذه المظاهرات والاعتصامات التي يتضرر منها الجميع ولايستفيد منها أحد. أقول ذلك وأقصد به أن الذين يعتقدون بأن ماتشهده البلدان العربية من عاصفة هوجاء يمكن الركوب عليها لتحقيق مكاسب سياسية شرعية ثورية غير ديمقراطية لاعلاقة لها بالشرعية الدستورية الديمقراطية المستمدة من إرادة الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة، سوف يصابون بخيبة أمل يبين مالديهم من الحسابات الخاطئة ولكن بعد فوات الأوان؟ أقول ذلك وأقصد به أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لإخراج البلد من الأزمة السياسية التي أخذت تتجاوز بقرونها السياسي والسلمي إلى ماهو إرهابي وعنيف، يخشى الحريصون على الأمن والاستقرار والديمقراطية والوحدة أن يتحول الشباب من وقود محركة للثورة إلى وقود تأكلها أطماع القيادات الانتهازية الحزبية المحترفة ضمن مالديهم من الحسابات المتعددة والمطامع المتناقضة والهادفة إلى تمزيق اليمن وإعادته إلى ماقبل الجمهورية والوحدة والديمقراطية، لأن التلاحم غير الطبيعي بين أعداء الوطن مابرح يتخذ من الشباب ستاراً للمطالبة بإسقاط النظام والخلاص من رئيس الجمهورية الذي يجدون به صخرة تتحطم عليها كل ما لديهم من المخططات والمؤامرات الرجعية، حوثية كانت أو انفصالية أو إرهابية، متمترسة خلف الفتاوى الإسلامية التي ما أنزل الله بها من سلطان على الإطلاق.. هذا المشهد اليمني المخيف وغير الواعد بمستقبل قريب للحوار الذي أكدت عليه كافة الدعوات والمبادرات الرئاسية المتلاحقة والنابعة من حرص على الوطن والمواطن وما قوبلت وتقابل به من رفض غير مبرر لأحزاب اللقاء المشترك التي تراهن في الاستيلاء بوسائل وأساليب انقلابية فوضوية وغير سلمية لاتنسجم مع الشرعية الانتخابية.. أعود فأقول محذراً أبناءنا الشباب الذين لاعلاقة لهم بما تخفيه هذه النوايا الحزبية المبيتة، أن يكونوا على وعي ويقظة دائمة ومستمرة مما يكمن خلف الاعتصامات السلمية من مخططات عنيفة وإرهابية لاناقة لهم فيها ولا جمل، وأن يركزوا على مالديهم من المطالب الديمقراطية والحقوقية ذات الصلة بحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية أو ذات الصلة بما تحتاجه التجربة اليمنية الناشئة من إصلاحات دستورية وقانونية ترسخ القيم الديمقراطية السليمة للمواطنة المتساوية، باعتبارها المشترك الوحيد الدائم والثابت الذي لاتطاله المتغيرات، حتى لايجدون أنفسهم منقادين لهذا الحزب أو ذاك التنظيم السياسي.. لتصفية مالديه من الحسابات والثأرات القديمة مع غيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية المنافسة.. لأن الدخول إلى الملعب السياسي التنافسي بحركة عفوية ومرتجلة وغير منظمة لم يكن أكثر من مغامرة محفوفة بالكثير من التحديات والأخطار ذات العواقب الكارثية الوخيمة.. وما كان لشبابنا الواعي أن يقدم على هذا النوع من المغامرات دون دراسة تبين له ماهو بحاجة إليه من الرؤية المستنيرة التي تحدد من أين ينطلق وإلى أين يجب أن ينتهي، من خلال مسارات واضحة وخالية من الكبوات والاعوجاجات.. لأن رحيل الرئيس بهذه الطريقة الديماغوجية مطلب اقرب للمستحيل منه إلى الممكن، في وقت تعلمون فيه أيها الأبناء والآباء أن رئيس الجمهورية قد عرض مايشبه خارطة الطريق لكيفية التداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية ذات مرجعية دستورية وقانونية متطورة وديمقراطية عادلة.. هذه المبادرة التي استوعبت كل ما طالبت به أحزاب اللقاء المشترك من إصلاحات دستورية وقانونية تحقق التحول من النظام المختلط إلى النظام البرلماني ومن نظام الفائز الأول إلى النظام المختلط الذي يستوعب أفضل ما في نظام الفائز الأول وأفضل ما في نظام القائمة النسبية.. والانتقال من السلطة المحلية إلى نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات، إلى غير ذلك من الإصلاحات المحاكية لأحدث التجارب الديمقراطية المتطورة. وهاهو فخامة الأخ رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم مابرح يولي الشهداء الشباب كل ما يستحقونه من الاهتمام وكل ما تحتاجه أسرهم من الرعاية ومن التعويضات، ناهيك عن مبادرته لتشكيل لجنة محايدة للتحقيق في الأحداث والأسباب التي أدت إلى سقوط العديد من هؤلاء الشبان بين قتيل وجريح، وإحالة المتهمين إلى المحاكم لينالوا مايستحقونه من العقوبات، وإعلان يوم حداد يدل على المكانة الرفيعة لهؤلاء الشباب في تفكير رئيس الجمهورية الذي لايفرق بين من هم في الحكم وبين من هم في المعارضة، باعتبارهم مواطنين يمنيين قبل أن يكونوا محسوبين على من هم في الحكم أو على من هم في المعارضة، عكس أحزاب المشترك التي مابرحت تذرف دموع التماسيح لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الرخيصة للاستفادة السياسية من الأرواح الطاهرة التي أزهقت ومن الدماء الغزيرة التي أريقت في لحظة انفعالات عاطفية لاتنسجم مع ماهو مطلوب من مواقف عقلانية نابعة من حرص على الدماء والأرواح اليمنية في صراعات وحروب على السلطة لاناقة لهم فيها ولاجمل في موكب الديمقراطية؟