مازلت أتلمس حكمة أهل اليمن, فلا أجد غير رياح الفتنة تعصف من كل صوب، وأحزاب وتجار ومشائخ وأناس اخترعوا لهم شتى المسميات يبيحون البلد للعبث والتخريب والمقامرات الطائشة, فيما الناس البسطاء فقدوا كل رغبة في الحياة سوى ترقب لحظة الخلاص والانعتاق من الخوف على الوطن. أين حكمة أهل اليمن في أن تطلق أيادي الحشود الداعية إلى التغيير لاقتحام المجمعات الحكومية، ونهبها وإحراق كل ما فيها من تجهيزات ووثائق..!؟. أين الحكمة في إباحة كل ما له صله بالدولة للعبث والتخريب بأيدي رعاع يحسبون أن تفجير محطات الكهرباء والمنشآت النفطية عمل نضالي وطني يصنعون به مستقبل الأجيال اليمنية؟!. لم أقرأ أو أسمع يوماً عن شعب تخيفه ثورته، لكنني أرى اليوم خوفاً في وجوه اليمنيين, لأن ثورتهم التي تنشد الكرامة الإنسانية رفعت البنادق على عتبات المراكز الأمنية واقتحمتها، وصارت تطوّق المعسكرات وتشل جميع وظائفها.. فكيف لا يخاف اليمنيون وهم من علّمهم التاريخ الطويل أن لا كرامة لأحد دون حماية أمنية؟!. ثورة اليمن التي حملها الشباب إلى الشوارع لتكبيل معاصم الفاسدين والانتهازيين واللصوص الذين سرقوا من ثغورهم بسمة الحياة تحالفت كل طغم الفساد لاختطافها في وضح النهار بقوة المال والوجاهة والترهيب، فإذا بالشباب يصطدمون مجدداً بثورة مضادة ثورة اللصوص وفي نفس ميادين الحرية والتغيير!!. وبدلاً من الانتصار لإرادة الوطن وكلمة الحق وآمال التغيير, تحول حراك الشباب إلى أشبه بدين مقدس, كل الحركات الإرهابية في العالم تقتل وتفجر المفخخات باسمه, وتشرع لسفك الدماء والنهب من وحي نصوصه!. ملايين اليمنيين يحتشدون اليوم في الشوارع بين مؤيد ومعارض، والكل يرفع أعلام الجمهورية اليمنية، ويهتف باسم اليمن, في الوقت الذي لم يعد العالم يرى أي يمن على هذه الأرض، بل هي الفوضى وثقافة الكراهية، وثلة من كبار الفاسدين يملأون الفضاء وعيداً وتهديداً وتحريضاً وترهيباً حتى أغرقوا البلاد بالرعب. ففر منها كل الضيوف الذين وفدوا إليها في الأمس لينعموا بالسكينة وجمال الطبيعة وروعة التراث، فإذا بهم يصطدمون بثورة تنتهك كل مظاهر الحياة المدنية، وتبيح المؤسسات للمجاميع الغوغائية، ولا يمر عليها يوم دون أن تصدر فيه قائمة جديدة بمئات الأسماء المصنفين (أعداء الثورة) الذين ستنصب لهم المشانق بعد التغيير، حتى بات نصف شعب اليمن مدرجاً في القوائم السوداء. أين الحكمة يا أهل اليمن في كل ما يحدث.. ألم تقولوا إن القاعدة هم من صنع النظام لترهيب الثوار، فما بال اليمن لا يمر عليها يوم دون أن تشهد عملية إرهابية تراق فيها دماء الأبرياء..!؟. ألم تقولوا إن الثورة وحّدتكم, وإن المشاريع الانفصالية ليس لها وجود سوى في مخيلة الحاكم، فما بال الحراك يهتف في شوارع الجنوب (لا وحدة ولا تغيير.. ثورتنا ثورة تحرير)؟!. وما بال قادته يستنفرون أنصارهم لاستغلال الفرصة وإعلان الانفصال, ألستم أنتم من أغريتم الناس للقدوم إلى ساحات التغيير من أجل التحرر من الفساد، فما بال هذه الساحات يتزعمها اليوم أعتى سرطانات الفساد، وتجار السلاح، والمهربين، وكبار مافيات نهب الأراضي!؟. رويدكم يا أبناء اليمن, لا تخلطوا الحابل بالنابل، فالثورات لا تنتصر إلا بقيمها الأخلاقية والوطنية.. وهؤلاء الناس لم يخرجوا إلى الشوارع إلا لأنهم ظنّوها ثورة شباب نظيف لم تدنس يداه بالآثام.. أما الفاسدون فهم اليوم يراهنون على الفوضى والعنف, لأن تاجر السلاح لا يغتني إلا في مواسم سفك الدماء!!. رفقاً باليمن يا أهل اليمن, فإن قلوب العرب تقطر دماً على ما يجري في قبلة عروبتهم، ومهد مجدهم، ومضرب أمثالهم!!.