بعد مخاض عسير, سارت امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة سيراً طبيعياً, وفي أجواء هادئة في معظم محافظات الجمهورية, بنسبة حضور تجاوزت 90%, وتنفس الآباء والأمهات الصعداء, بعد أن عاشوا في قلق وخوف من عدم إتمام الامتحانات بسبب الظروف السياسية العصيبة التي يعيشها وطننا اليمني. والحديث عن الامتحانات والمدرسين, يعود بنا ( فلاش باك ) إلى أيام الدراسة الأولى ( الأساسية والثانوية ) التي تعد من أجمل أيام الطفولة والشباب حيث يبرز فيها الشغف بالتعليم, والتعلق بالدراسة والمدرسة والمعلم, والانضباط المطلق للدراسة والتنافس الشريف بين الزملاء لتحقيق المراتب الأولى في الاختبارات, حيث تعد المدرسة في ذلك الزمان بيت الطالب الثاني, يلقى فيها جل الاهتمام ليس في تلقي العلم فحسب بل في مراقبة سلوكياته ونظافته وصحته. اليوم اختفت تقاليد تعليمية وتربوية رائعة عن مدارسنا الأساسية والثانوية, فهذه التقاليد كانت إلى وقت قريب مقترنة بمراحل التعليم المختلفة, وتبرز بوضوح بمدارسنا الأساسية وتتعلق بنظافة الطالب, والحرص على مراقبة وملاحظة تصرفاته مع أقرانه, ونظافته العامة, في ملبسه, وشعره, وأظافره, إلى جانب الزيارات الدورية لفرق التفتيش الصحية الأسبوعية للمدارس بهدف فحص الطلاب, وتلقيحهم, والفحص الدوري لعيونهم, فضلاً عن مراقبة سلوكياتهم ليس في المدرسة بل يتجاوز ذلك أسوار المدرسة والشارع.. هذه التقاليد التربوية والتعليمية لم نعد نشاهدها بمدارسنا اليوم فالمدارس الخاصة والتي تنتشر في جميع محافظاتنا كالفطر هدفها مادي فقط, ومدارسنا الحكومية تعاني الكثير من القصور والإخفاق والتذمر والإهمال, وإذا عدنا ندرس أسباب اختفاء هذه التقاليد وبروز ظاهرة التذمر والإهمال سنجد أن مكاتب التربية والتعليم والإدارات المدرسية التي لم تعد تلك الإدارات المدرسية التي نعرفها رغم التحسن الملحوظ في مرتبات المعلمين والمعلمات, فتراجع الأداء والإخلاص في العمل وضعف شخصية بعض الإدارات المدرسية, وضحالة بعض المعلمين والمعلمات ثقافياً وتعليمياً وتربوياً أسهم إسهاماً فاعلاً في اختفاء قسري لهكذا تقاليد تربوية وتعليمية إلى جانب المكايدات السياسية والحزبية وإقحام التربية والتعليم في أتون هذه السياسة العفنة. فمن أكثر المشكلات التعليمية والتربوية تصاعداً ضعف دور المدرسة والأسرة في صياغة عقل وفكر ووجدان الطالب والتلميذ معاً وفقدان أسس التعامل مع التلاميذ والأطفال وتراجع دور المعلم التربوي والتعليمي بصوره مخيفة ومفزعة الأمر الذي أدى إلى اقتصار دور المدرسة فقط على تعليم أساسيات القراءة والكتابة واختفاء دورها التربوي والتوجيهي . لن يصلح حال التربية والتعليم ومدارسنا إلا بإستراتجية تربوية وتعليمية مدروسة لتقويم الاعوجاج في الإدارات التربوية والتعليمية والإدارات المدرسية وفي المناهج الدراسي هذا المنهاج العجيب والغريب والزاخر بالتكرار والحشو والمنفر للطالب, ولن تستقيم الأمور إلا بتنقية الوسط التربوي والتعليمي من المعلمين والمعلمات ممن أساءوا إلى هذه المهنة الجليلة, وافقدوها قيمتها ومكانتها. إن دور المعلم والمعلمة هو صنع الأجيال لبناء الوطن ورخائه فبدون الاهتمام بالعلم وبتربية وصحة وسلوكيات هذه الأجيال لن نبني وطناً ولن تقوم لنا قائمة, فالطفولة هي المستقبل الذي نبني عليه الآمال ونستمد منه الاستمرارية والبقاء والطفل السليم المعافى هو أساس متين لمجتمع متطور وتقدم.. والله من وراء القصد. [email protected]