كانت ترى الدنيا في عينيه،فحين يرضى تورق الأشجار وتتدلى الثمار وتتفتح الأزهار وترقص أصابعها على أنغام الطهي وألحان النكهات فتعد الموائد العامرة وتختال أمامه سافرة تلاعب عينيه وتراود نفسه وكأنها فراشة ملكية تجوب أنحاء البيت بلا أجنحة،تفرش مخدعه بالسكينة وتختار ألفاظها الرصينة وتوطد حتى الذوبان ما بينها وبينه،إذا نام تدثرت إلى جواره بلباس الأمان وتوسدت رفرف الاطمئنان،وإن استيقظ كانت له خادمة مطيعة تسربله بثوب الرفاهية وكأنه أمير على عرش قلبها لايستطيع أن ينازعها في امتلاك قلبه أحد حتى وإن شاءت أقداره أن يكون له زوجات أخريات وشاءت أقدارها أن يكون لها ضرائر ثائرات! رفعته على عرش الدلال وخرّت جوارحها له ساجدة ولم تشك يوماً من مللٍ وتعبٍ، نِعم الأم كانت لأبنائه ونِعم الراعية في بيته مع أهله وأحبائه،حين يسافر عن دارها تذبل كما تذبل الأزهار ويختلط عليها أمر الليل والنهار ولاتدري أفي جنة هي أم في نار؟!! تأوي إلى فراشها كقطة كسولة تعد اللحظات حتى تأتي ساعة وصوله،تنسى الطعام والشراب وتبقى كناسكة في محراب،ترى أن قد أوصدت أمام وجهها كل الشبابيك والأبواب،وتبدأ الحكاية إذا هاتفها بشجونه وأخبرها عن جنونه.. وهنا ترى وثير المتكأ بوسائده الناعمة،وشرابه المعتق في كؤوس قائمة وبعض الحلوى تتماهى بين أعطافها ثلجات عائمة!فروضها كانت ركعات قليلات ومصحفها تهجره إن زارها ليلات.. شمعة كانت تحترق لتنير الطريق أمامه وخمرة تسكر ذا اللب حتى أنسته مقامه.. لهو ولعب،غنج وودودلال .. وليالٍ طوال طوال راهبة في معبد الزوج كانت ونسيت أن الحياة لاتدوم وإن دامت .. وبعد طول سنين وشوق وحنين شاءت الأقدار أن يذهب كل من الزوجين في مسار.. وأصبحت تقلّب كفيها على ما أنفقت من العمر وهي تعبد صنماً.. فزادها ذلك حسرة وألماً.. هذه قصة امرأة رأت الحياة كلها في رضا الزوج وسعادة الدنيا في ابتسامته ومقامها في الجنة بين يديه وغاية مرادها رضاه ورضاه فقط .. عاشت له ونسيت أن تكون معه ولهذا أهملت أن تغذي روحها بصلة الخالق وغذتها بصلة المخلوق الذي يساويها ضعفاً ويوازيها حاجة لله رب العالمين.. عاشت له، تغضب إن غضب وإن لم يكن غضبه لله، وترضى إن رضي وإن لم يكن رضاه في الله، تصوب صوابه وتخطئ خطأه حتى لو لم يكن على صواب أو لم يدرك الخطأ،لاتجرؤ على قول الحق خوفاً من غضبه دون أن تراعي غضب الله.. عاشت لأجله هو لا لأجل نفسها وكأن لسان حالها يقول: يامرادي ومنيتي وغاية مقصدي ويا كل ما أرجو من الدنيا وأطلبُ ولذا تصبح السُنن في حياة هؤلاء النساء فروضاً،وما يستحب من الأمر واجباً وما يحوم حول الشبهات أمراً جائزاً مادام فيه رضا للزوج دون التفكير منهن برضا الخالق.. فأين هؤلاء النساء من قول تلك العاشقة لربها: فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خرابُ *أحبيه ولكن.. لكن لايكون زوجك رقماً واحداً في حياتك فهناك أولويات وكلاكما سيحاسب بعمله ولن تلحدا سوياً في قبرٍ واحد ولن يستطيع أحدكما أن يجعل الآخر يمر بسلامٍ على الصراط. أحبيه نعم لكن أجعلي لربك في قلبك مكاناً حتى تحقي الحق وتبطلي الباطل ولايمتلئ قلبك بزينة الدنيا وحتى لاتحزني على مافاتك ولاتفرحي بما أتاك وكوني وسطاً في كل شيء إلا حب الله فأغدقي منه على قلبك الكثير لأن قرب الله من القلب غنيمة لاتقدر بثمن ويكفي أن الله تعالى يصطفي من يتقرب منه بعكس البشر الذين مهما اقتربت منهم ابتعدوا إلى سواكِ.. فعيشي مع زوجك ولا تعيشي له وفيه وإليه وبه..