يذهب بعض المفكرين إلى أن الحزبية لا تصلح في بلاد العرب، لأن العرب لا يزالون غارقين في عصبية “ وإن أنا إلأمن غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد”. فالعربي على مستوى الحاكم يريد أن يكون لديه حزب أوحد، هو الآمر الناهي ، سواء أكان هذا الحاكم فرداً أو حزباً فلا صوت يعلو فوق صوت الحزب ، أم على مستوى المحكومين ، فلكل جماعة حزب هو الحزب المعصوم وهو صاحب الحل والعقد ، والمشكل أنه لا صداقة بين الأحزاب في الوسط العربي وإن ظهرت هذه الصداقة فهي مرحلية، بدليل أن كل حزب لا يثق بالآخر وكل حزب يخطط لنسف الآخر أو إلغائه على الآخر، فلتجرب لتسأل هذا الحزبي ما رأيه في الحزب الآخر بصدق و بدون مواربة فلسوف تسمع من الجواب ما يؤذي مشاعرك. ولقد سأل أحدهم عدواً عن عدوه وتظاهر هذا العدو بأنه منطقي وموضوعي لا يقول إلا الحق ولا شيء غير الحق فكان جوابه على ما يأتي : فلان إنسان طيب جداً نزيه وأمين وصادق ولكن أنصح لك إذا كان معك أمانة فإنه لا يهتم بها، ولقد أودعته بعض المال فأنكرنيه وحلف عليه يميناً غليظة ثم هو يفرط غالباً في أقدس المقدسات ، هو طيب جداً ولكن مشكلته أن الآخرين يحكمونه خاصة أقارب زوجه وهو غالباً مستهتر جداً ثم هو لا يؤمن على سر، وضعيف شخصية، فكل يوم في اتجاه المهم مصلحته فوق أي اعتبار ومع أنه ودود ومحترم فسلوكه أحياناً بطال ويفتن بين الناس ... إلخ. وإذا كان ابن خلدون قد ذهب إلى أن العصبية من أسس الملك فإن العصبية الحزبية من أسس انهياره في المجال العربي .. إن صديقك الحزبي لا يريدك أن تكون مستقلاً وهو يسأل الله أن يعيد لك عقلك لتكون معه فأي مستقل لايدخل معه في الحزب، فهو مغفل متخلف جاهل وأحياناً ضال وأخرى كافر، الأصل أن تجتمع الأحزاب في بلاد العرب لتقديم خطط وبرامج للنهضة بالأوطان. غير أن ما يحدث أن هذه الأحزاب تلتقي فقط من أجل تقاسم الشعب باعتباره “كيكة” محلاة بالزبيب أو باعتباره سفيهاً غير راشد ينبغي أن تكون القوامة عليه ويبدأ الاختلاف فيمن هو الوصي الأمين.!