هل آن لمنظمات المجتمع المدني والقوى الحزبية والسياسية التي لم تكن يوماً مع الفساد أن تمتلك الشجاعة وتدعو إلى مسيرة مليونية يخرج فيها العمال والموظفون وأرباب الأسر والمهنيون وأصحاب المحلات التجارية والطلاب وهم يشكلون أكثر من 70 في المائة من اليمنيين وكذلك المزارعون الذين يفلحون الأرض ويسقونها بعرقهم لينتجوا الغذاء, بينما القتلة قد تفرغوا لنصب السواتر والمتاريس؟!. آن للأغلبية الصامتة أصحاب المصلحة الحقيقية الذين صمتوا على امتداد ثمانية أشهر ينتظرون الفرج وهم يتابعون جمعة الأمان وجمعة السلام وجمعة المحبة وجمعات أخرى عديدة.. لقد أصبح التغيير مثل القطة السوداء في ليلة حالكة الظلام يصعب الإمساك بها، والقتلة يخزنون السلاح ويكثفون المتاريس ويمارسون مهامهم الآن علناً لا تستطيع العين أن تخطئهم يرفعون الرشاشات والبنادق جهاراً عياناً يحتمون بالشباب، والشباب يقولون: إنهم سيتفرغون لهم بعد نجاح مهمتهم، لقد اتسع حجم المتاهة الصعبة التي يدور فيها الوطن حول نفسه واستغرقنا جهدنا في خلافات بلا نهاية تزيد فرص انقسامنا وننشغل في جدل عقيم، رفضنا الحوار ولم يعد أحد يسمع أحدًا والكل يتكلم في صوت واحد لا يعطي لنفسه فرصة أن يستمع إلى الرأي الآخر. خلافاتنا كثيرة لكننا لم نتوقف أمامها، فنحن مختلفون حول الدستور ومختلفون حول الانتخابات ومختلفون حول طبيعة الدولة التي نريدها وحول الشرعية الدستورية وتستقطبنا الخلافات العديدة، فالإصلاح يريد دولة ذات مرجعية دينية, يفهمون الإسلام وفق هواهم .. وشباب يريدون دولة مدنية قانونية وهم لا يفهمون ماهية هذه الدولة وهم أكثر من تكتل .. لكل تكتل اسم وشعار وعنوان، كلٌ يدعي أنه المعبر عن الثورة والناطق بلسانها والناس تائهون يبحثون عمن ينقذهم وهم يشكلون أغلبية صامتة ولا يريدون أن يتكلموا. نأمل من المجتمع المدني أن يحشد لهذه المليونية حتى تعبر الأغلبية الصامتة عن نفسها وأن يلزم الشباب الصمت لكي يستمعوا إلى الرأي الآخر، إلى أصوات الآباء والأمهات الذين يعولون ويكابدون، يعانون من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، لقد فرض علينا هؤلاء الشباب أن نجتر مشاكلنا ونعيد إنتاجها في صورة أشد قسوة لأنهم لا يعلمون ولا ينتجون، فقط يتظاهرون ويطالبون دون أن يقدموا رؤاهم وفاقد الشيء لا يعطيه. نحن على أبواب عام جديد وميزانية جديدة، ويبدو أنها لن تحقق أي تقدم في الإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية ومعروف أننا متخلفون في هذه المجالات، ومن المعروف أن المشاريع كلها توقفت والاستثمارات كذلك توقفت, ولايبدو أن هناك مخرجاً من هذه الدائرة المغلقة، والأمن غائب تماماً والاستقرار مفقود، هل يمكن للشباب الذين عطّلوا الحياة في الشوارع العامة وعطلوا حياة الناس أن يفّرغوا هذه الشوارع لمدة يوم واحد لآبائهم وأمهاتهم ليعبروا عن رأيهم ويؤكدوا أن الأولوية هي استعادة الأمن على ما عداها من قضايا، إن شبابنا يعيشون في سديم وفراغ لتزداد الأوضاع سوءاً وانهياراً. أعرف أنني أمشي حافياً على مسامير حادة ودامية وأعرف أنني سأتعرض للإرهاب كالعادة من قبل أولئك الذين يخافون من مغادرة الشباب للساحة لأنهم سيكشفون الغطاء عنهم وسيعّرونهم، لكنني وبصفتي واحداً من هذه الأغلبية الصامتة أريد أن أرفع لافتة مع أصحاب المصالح الحقيقية للمطالبة بإعادة الأمن والاستقرار ومحاكمة كل المجرمين القتلة ابتداءً من لينا عبدالخالق مروراً بجمعة 18 مارس ونزولاً عند جامع النهدين. ولست أدرى ماهي حكاية اجتثاث ما تبقى من النظام العائلي التي أصبحت متداولة هذه الأيام وكأن معسكرات الحرس الجمهوري والحرس الخاص والطيران والدفاع الجوي والبحرية والأمن والشرطة والأجهزة الأمنية وما تبقى من الشعب، كل هذا محسوب على العائلة؟!، حقاً إن الشباب صادروا عقولهم وأصبح حزب الإصلاح والزنداني وحميد الأحمر يفكرون نيابةً عنهم، ولست أدري لماذا نتعرض بالأذى اللفظي لأشخاص لم يتورطوا في أي فساد ولم يرتكبوا أية جريمة في حق الشعب، نريد إقصاءهم فقط لأنهم تولوا بعض المهام والمسئوليات. هل نسينا بداية قيام الوحدة حينما انقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط يناقض الوحدة، وفسطاط يكره في سرّه الوحدة حتى الرمق الأخير, يتمنى لو صب الله جام غضبه على الرئيس علي عبدالله صالح لأنه أراد أن يتوحد مع الجنوبيين الشيوعيين وقد قال أحدهم في مجلس الشورى وهو يخاطب الرئيس: إني أخاف عليك من نار جهنم بسبب هذه الوحدة؟!. وهل نسينا فتاوى الزنداني وهو يجرم الوحدة؟!. لماذا نذهب نحو الفوضى التي ستشعل الحرب الأهلية؟ وما العراق عنا ببعيد، فما زال جمر الإقصاء يتّقد تحت الرمال. لقد تعرضتُ للكثير من الأذى لأنني قلت رأيي علناً: لا للإقصاء والاتهامات دون محاكمة أو قانون, ونعم لمحاكمة كل فاسد. لقد خرج الشباب ليرفعوا عدداً من المطالب المشروعة حظيت بإجماع الكل بما في ذلك الدولة في مقدمتها، محاكمة الفساد وإعادة الاعتبار لكرامة اليمنيين وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن الخلافات مزقتهم والفاسدون سبقوهم وسرقوا فكرتهم. وأنا أكرر أنه لابد من مليونية الأغلبية الصامتة ليستمع الشباب إلى صوت الأغلبية الصامتة لكي يتعرفوا على مزاج الشعب اليمني الذي تغير كثيراً بعد أن رأى الفساد يطل برأسه من عباءة الشباب وأصبح الشباب والفاسدون يداً واحدة. نحن لم نحسن ترتيب أولوياتنا وتفرقت بنا السبل حتى اختلط الحابل بالنابل وأصبح من واجب هذه المليونية بعد كل الذي حدث أن ترسم قواعد واضحة لاحترام الرأي الآخر وكذلك للاحتجاج لفتح الأبواب على مصاريعها أمام حرية التعبير وحتى لا تفرض أي قيود على حق أي فئات الشعب في أن تفرض رأيها ولكن ننظّم هذا الحق بما يحول دون مصادرة الرأي الآخر، ويحفظ حقوق المجتمع الذي لا ينبغي أن تكون رهينة لدكتاتورية أقلية تفرض رأيها على الجميع بقوة الأمر الواقع. لم يعد أمام كل منا سوى أن يستفتي ضميره ويسأل نفسه: إلى متى تستمر هذه الفوضى التي تأخذ الوطن إلى متاهة يصعب الخروج منها، علينا أن نفضّي الشوارع لكي نفتح الجامعات والمدارس فهذا هو التغيير الحقيقي وليس التغيير أن تُبنى المتاريس وحواجز الأتربة وقطع الشوارع.