يبدو أننا في اليمن قد اعتدنا على الفقر والبطالة والجوع وقذارة الشوارع وتوالي الأزمات على رؤوسنا تباعاً لاعنة بعضها من أولها وحتى آخرها، إذ تجد الكثيرين هنا اعتادوا الجلوس بالقرب من مقالب القمامة وأماكن انفجار البالوعات، ولا أدري كيف يستطيعون الصمود أمام تلك المناظر والروائح التي تنفر منها الحشرات بضآلة قدرها؟! لماذا مات في أنفسنا الطموح؟ أين ذهب الأمل؟! هل عبثت بنا السياسة لدرجة أنها سلبتنا الإحساس بالجمال والقدرة على إنكار القبيح من الأحوال؟! لماذا أصبحنا نذوب بسرعة في الحدث وكأننا عناصر كيميائية في أنبوب اختبار؟! لماذا أصبحنا نرتدي سرابيل اليأس؟! ولماذا أصبحنا كالدجاج يحفر ليغمر نفسه بالتراب؟! في الحقيقة كنت أتجول لشراء بعض الخضار في إحدى الحارات ولفت نظري أن (الخضرجي) قام برص ربطات (الكراث) أمام المحل بالرغم من وجود نهر رقراق من مياه الصرف الصحي يسير أمام محله تماماً فاستنكرت ذلك وسألته: لماذا تفعل هذا؟! فأجاب: الكراث مبلولة وأريدها أن تجف! فأردفت: لكنك ترى قذارة المكان وتعلم أن الجراثيم تسبح في الهواء ويمكن أن تصيب الناس بتسمم.. فأجابني: قمت بتناول إفطاري أمام محلي وجميع وجبات الطعام أتناولها في نفس المكان ولا أشعر أن في الأمر شيئاً بل إني أؤكد لكِ أن صحتي حديد كلما توكلت على الله وجلست أمام هذا الماء الملوث! فما كان مني إلا أن انصرفت لشأني وأنا أتذكر كلمات قرأتها في كتاب مترجم لكاتب أوروبي قام بزيارة لليمن قبل سنوات طويلة وأجرى بعض الاستطلاعات ليتمكن من معرفة كيف يعيش الإنسان اليمني براتب قليل ولديه مخرجات ومسئوليات أسرية كثيرة فكانت إجابات الناس حين كان يسأل: من أين تأتي بالمال حين ينتهي الراتب كالتالي: «بايحول الله! عايدبرها ربي، كله على الله، الله كريم...» وإلى ذلك من ألفاظ اتكالية وتواكلية لا ندرك معناها لكننا نقولها وفقط ولهذا أسمى الرجل كتابه «الله في اليمن». نعم الله يعطي فيبسط ويقبض لمن يشاء والله يمنح فيغني أو يفقر من يشاء والله يحمي ويحفظ ويشفي ويمرض وهو أرحم الراحمين، لكننا مجتمع نقصر كثيراً في الأخذ بالأسباب، نحن نجيد فقط اختراع البداية لكل شيء لكننا نجهل إمكانية الحسم وإيقاف الاحتقانات مهما كان نوعها، نجيد التواكل حتى في اقتصادنا بالرغم من أن اليمن تخفي تحت تربتها كنوزاً لا حصر لها لكننا ننشغل عنها باستقبال المعونات الإقليمية أو الدولية دون أن تشعر ولو ببعض الحرج! فلماذا نرضى أن تكون نظرة العالم لليمن على أنه وطن الفقر والتخلف والهشاشة الاجتماعية بينما هناك الكثير مما لم نقم به بعد.. من الساعة الثانية ظهراً وحتى السادسة مساء تتحول اليمن إلى أوروبا شرقية لأن كل «مخزن» يبني من المصانع والقصور ومراكز التسوق ما لا يمكن أن تستوعبه الرقعة الجغرافية لليمن، لكن وبعد أن يبصق الجميع سواءً على الأرصفة أو على جوانب أحواض التواليت أو حتى في أكياس القات التي كانت في أول النهار لا تقدر بثمن، بعد هذا تعود اليمن كما كانت شوارع ضيقة، حواري بأكملها مبنية بشكل عشوائي مياه صرف تغمر مداخل الحارات ومخارجها، أسواق عتيقة غير منظمة، بشر يغسلون بعضهم بعضاً باللعنات وكأنها تحايا وأشواق حارة! هكذا نعود كما كنا وكما بدأنا أولئك القانعين خلف سراب الأمنيات وحتى عندما ثرنا كانت ثورتنا عشوائية وغير هادفة وغارقة في طحالب السياسة ومليئة بالبؤر النتنة التي جعلتنا نفقد الكثيرين دون أن نكسب شيئاً! أحزن كثيرا عندما أقرأ وأسمع عن هذا التخبط الذي أصاب الجميع فهل هي الساعة التي لم يحسب حسابها أحد، أم أن إرادة الله تأبى إلا أن تظهر الحق الذي صمت عنه البشر؟! في الأيام القادمة ستكون هناك إجابة واضحة ومختصرة وخالية من الشوائب!