يمانية هي الحكمة التي تدفع اليمنيين دائماً الى الحلول الايجابية التي تنتصر للعقل والمنطق ، وتبتعد عن الفوضى والعنف .. إذ لم يكن منطقياً أن تتضخم تلك المتاريس من (الشوالات) المملوءة بالاتربة والتي قطعت الشوارع وجعلت الكثير من المواطنين يغلقون متاجرهم وينزحون من مساكنهم الى القرى ، وآخرون ينزحون من القرى ومعهم أسلحتهم ليقطعوا الطرقات في المدن .. لقد أخذ التراشق بالكلمات ومن ثم بالرصاص والقذائف فترة من الزمن لم يعد مجدياً الاستمرار فيها – وبقدر ما شكّل ذلك ظاهرة سلبية في مفهوم البعض لفترة عشرة أشهر إلا أنه كان له جوانب إيجابية في مفهوم البعض الآخر، لأنه حرك المياه والدماء الراكدة ، وحرك مشاعر الكثير بالظلم والمعاناة .. كما حرك الشعور بضرورة البحث عن حلول جذرية للإشكالات التي جعلت اليمن يراوح في مكانه حقبة من الزمن.. ولم تعد جدلية الأزمة والثورة هي التي تحرك عملية الوعي بالواقع .. فالشباب الذين تجاوزت أحلامهم وطموحاتهم العقليات التي صدئت بفعل الزمن لن ينشغلوا للحظة بقياس المسافة بين أهداف الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وبين واقع التطبيق لهذه الاهداف التي كثيراً ما تم اختزالها في مراسيم إيقاد الشعلة سنوياً بعد إفراغها من كثير من مضامينها الإنسانية التي ستظل المبرر الحقيقي لاستمرارية الثورة في نضال هذه الاجيال والاجيال اليمنية المتعاقبة حتى يتحقق لكل فرد في هذا الوطن الكبير الكرامة والحرية والمساواة ، وتنتهي القيم البالية ، ومظاهر التخلف والجهل والمرض ، ويحل محلها قيم الخير والعلم والمعرفة .. وهم الشباب الذين يطمحون الى بناء اليمن الجديد، قادرون بوعيهم على التمييز بين تلك الاطراف السياسية التي تسعى جاهدة الى توظيف نضالهم الوطني لمصالحها الحزبية الضيقة وبين قوى التغيير الحقيقي التي تمتلك مشروعاً حضارياً لبناء اليمن الجديد يستوعب كل أبناء اليمن دون إقصاء أو تهميش ، إنهم يعون تماماً تلك القوى التي انضمت للثورة تحت مبرر حمايتها في حين أنها جاءت لتحتمي بها .. ولا حاجة لنا مجدداً لتفسير معنى الثورة، فهي تفسر نفسها في فعلها اليومي وفي نضالات من يضحون يومياً بدمائهم .. وشتان بين الازمة والثورة ، فالثورة وهي عملية تغييرية تتسم بالاستمرارية وبين الازمة التي هي مجرد ظاهرة وقتية تنتهي بانتهاء مسبباتها .. ومهما تعددت الازمات وطال أمدها فإنها تظل أزمات ولن تصمد أمام الفعل الثوري المستمر.. إذن الى التوافق يتجه اليمنيون بعقول مفتوحة على التغيير الايجابي وضمن منظومة من القيم الحضارية التي احتوتها المبادرة الخليجية بآليتها التنفيذية التي قطعت الطريق أمام شياطين التفاصيل الصغيرة ، وجعلت إمكانيات الاختلاف في التطبيق ضئيلة جداً .. وهو جمال بن عمر ذلك العربي الأممي الرائع الذي عمل ولا يزال يعمل بإخلاص من أجل نجاح المبادرة الخليجية والخروج باليمن الى واقع جديد ينتصر لحضارته وماضيه العريق ، ويدفعه للمستقبل الجديد بخطى واثقة .. في حين يتواصل نضال اليمنيين لتنفيذ ما تبقى من أهداف الثورة اليمنية وفي القضاء على ما تبقى من مخلفات الإمامة والاستعمار ، وفي بناء جيش وطني قوي ، وإقامة مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل ، وفي بناء دولة اليمن الجديد .. دولة النظام والقانون . [email protected]