كان المؤمل من حكومة الوفاق الوطني أن تأتي ببرنامج يتماشى ويتوافق مع الفترة الانتقالية زمناً وواقعاً، حتى يكون صادقاً وغير بعيد عن المسؤولية التي تلزم الحكومة أن تحقق فيه ما هو ممكن ومعقول دون شطحات ولا يكون تكرارا لبرامج الحكومات السابقة التي كان يكثر فيها السوسفة والوعود التي لا يتحقق منها إلا النزر اليسير، رغم أن تلك البرامج السابقة كانت لحكومات طويلة الأمد، تعمر لأكثر من خمس سنوات .. فما هو البال بحكومة لن تستمر سوى عامين انتقاليين فقط، يتقاسمها العديد من الأحزاب والقوى السياسية، وتجربتنا مع حكومة مثل هذه تؤكد أنها لن تكون إلا حكومة وضع المطبات والعراقيل كل أمام الآخر، وإذا حدث وتحقق شيء فإنما يكون الأهون مما طرح في البرنامج وقد يكون بضغط من قوى خارجية كما هو حاصل الآن.. حيث إن المفترض أن لا تعد الأحزاب أو الحكومات لتكون صادقة مع نفسها ومع الآخرين إلا بما تستطيع الوفاء به وتحقيقه، فقد ورد مثلا في برنامج الحكومة الموقرة أي حكومة الوفاق كلام عن الفساد ومكافحته ومحاربته، كلام يوحي بأن أعضاء الحكومة يملكون عصا موسى عليه السلام أو أنهم ملائكة هبطوا من السماء ليس فيهم فاسد، وبالذات عندما نقرأ عنهم لبعض الكتاب الذين ألفوا النفاق والتطبيل لكل آت جديد، والذي أحد أولئك الكتاب أراد إشعارنا وإقناعنا بأنا عدنا إلى عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. المهم أن الحكومة في برنامجها لم تقل كيف ستحارب الفساد والمفسدين، إلا إذا اعتبرت ما يحدث ويحصل في بعض المرافق والمؤسسات والدوائر الحكومية هي الطريقة المثلى لمكافحة الفساد، فتلك هي المهزلة والطامة الكبرى، لأن هذه الطريقة الفوضوية والانفعالية لا يمكن أن تكون طريقة صحيحة ووسيلة ناجعة لمكافحة الفساد وإنهائه، فهي قد تبعد بعض الفاسدين ولكن لن تنهي الفساد أبدا، فذلك الأسلوب و تلك الطريقة الانفعالية لا تختلف عما حدث ويحدث عقب أية حركة ثورية أو انقلابية، حين تهدأ الأمور ويبدأ الفاسدون والمفسدون أو المناهضون للثورات والعهود الجديدة يعيدون نشاطهم بثياب وجلود جديدة وتحت مسميات مخادعة يغطون بها نشاطهم وتحركاتهم، كما حدث ويحدث الآن من قبل الإماميين والحوثيين وأصحاب الحراك.. المنقلبون على ثورة 26سبتمبر والنظام الجمهوري وعلى الوحدة اليمنية المباركة، مستغلين أخطاء فردية من رجال النظام أو حتى من قبل الكثرة في النظام كله، ليجعلوا من ذلك حجة وذريعة ومبرراً لهدم الوطن والبلاد على ما فيه ومن فيه، وإنهاء كل ما تحقق من إنجازات منذ ثورة سبتمبر وحتى الآن وأهم تلك الانجازات عودة الوحدة الخالدة إن شاء الله تعالى، فهم يريدون إعادتنا إلى العهد الإمامي البغيض المتخلف والعهد الانفصالي الشمولي، وللأسف الشديد إن الحالة تتكرر لأننا لا نحسن الأداء ونترك الانتهازيين يمارسون أحقادهم ويشعرون الجميع أنهم بما يصنعون إنما يحاربون الفساد وينهون الفاسدين والمفسدين. فهذه الطريقة التي تمارس في وضد بعض المؤسسات والمرافق والدوائر الحكومية تجعل الفاسدين والمفسدين يخرجون من الباب ليعودوا بعد زمن قليل من الطاقة، فالفعل والعمل الانفعالي المتسرع لا يمكن أن يكون وسيلة سليمة لتصحيح مسار أو إحداث نقلة متقدمة ومتطورة نحو الأمام ولا يمكن أن يكون نهج صحيح لمكافحة الفساد والمفسدين وإنهائهم، أو خلق يمن التسامح والنمو والتنمية .. فذلك لن يتم إلا بالوفاق الوطني الصحيح البعيد عن المزايدات والمناكفات والمكايدات ونكأ الجراح، وبالعمل الوطني المتعقل المبرمج ضمن تخطيط علمي وعملي سليم، فالفساد والمفسدين لكي تتم مكافحتهم وإنهاؤهم في المجتمع والسلطة يتطلب وجود أجهزة رقابية جادة وفعالة خالية من المفسدين والفاسدين، ينظمها قانون وأسس دستورية تجعل من الرقابة أداة فعالة لإنهاء الفساد الذي ينخر الآن كل مفاصل السلطة والمعارضة أيضا .. بحيث تكون أجهزة الرقابة سواء الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو هيئة مكافحة الفساد مستقلين عن كل سلطة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، يتم اختيار أعضائها وقياداتها من قبل مجلسي الشورى والنواب، ويكون لها الصلاحيات المطلقة في المساءلة والمحاسبة لكل فرد في السلطة والمعارضة بكافة تفرعاتها، ويحبذ بل ومن الضروري قبل كل ذلك إصدار قانون (إقرار براءة الذمة) لكل الموظفين والعاملين في السلطة والمعارضة، مدنيين وعسكريين وبالذات من هم في القمة ومن يتبوؤون مناصب كبيرة أو صغيرة .. وقانون ( من أين لك هذا ) ليتم على ضوئه وبموجبه محاسبة من يثرون على حساب البلاد والعباد بحيث يتم القضاء على الكسب غير المشروع، عند ذلك سيتطهر النظام ويتطهر المجتمع من الطفيليات التي تمتص دم ومال وحقوق المواطنين، ويحدث النماء والاستقرار ويحصل كل مواطن على حقه واستحقاقه، ولا يكون هناك فوارق بين الناس ولا يأخذ أحد إلا ما يستحقه بجهوده وعرقه، كما أنه ستوجد أيضا القدوة الحسنة والصالحة بالمسئولين الشرفاء المتمتعين بالنزاهة و طهارة الذمة .. ويمكن أن يجعل الله عندئذ في أوساط المسئولين في السلطة والمعارضة (فاروق بن الخطاب) جديد حقيقة لا نفاقاً، وليس كما يحاول المنافقون أن يصوروا لنا بعض من نعرفهم ونعرف تاريخهم، بأنهم ملائكة هبطوا من السماء ليكونوا بدلا عن الأباليس في النظام السابق والذي يشاركونهم السلطة الآن والذين يدعون فسادهم الكلي، فالكل يعلم أن المهدي المنتظر حسب الروايات المتداولة لم يحن أوانه، إلا إذا جعلوا ممن اسمه محمد من المسئولين الجدد في السلطة الجديدة هو المهدي المنتظر لتشابه الأسماء فذلك له حكمه لمن يريدون التعجيل بقيام الساعة ..