لا أرى في حقيقة الأمر أن بكاء باسندوة في مجلس النواب كان بكاءً مجانياً لاستدرار عواطف الناس لغاية مجهولة في نفس باسندوة كما يدعي البعض. بل هو تعبير حقيقي عن كثير من الهواجس والمخاوف المتشابكة التي تعتمل فيه. منها حالة القلق الشديد على المستقبل الكارثي والمصير المجهول الذي ينتظر اليمن والذي يراه بأم عينيه من خلال موقعيه المتقدمين في المجلس الوطني ومجلس الوزراء إذا لم تتم الموافقة على قانون الحصانة وهو أيضاً يعكس حالة الانزعاج من ردود الأفعال المضادة تجاه الموافقة على قانون الحصانة وخاصة من قبل شباب الثورة الذين لايؤمنون إلاًّ بالحسم الثوري السلمي لتحقيق الأهداف المرحلية والاستراتيجية للثورة الشبابية الشعبية وبأقصر الطرق، بغض النظر عن كلفة هذا المسار. ويؤكد على عدم اقتناعه بقانون الحصانة الذي تم الاتفاق عليه تحت طائلة قوانين الواقع التي تفرض غالبا ً خيارات غير خيارات اللاعبين على المسرح السياسي ناهيكم عن حالة الإنهاك الشديد الذي أصاب الرجل بعد عام من المراوحة والأخذ والرد والكر والفر على الجبهة السياسية. وللأسف فإن هناك ممن وصف بكاءه بالبكائيات السياسية وشبهه بفؤاد السنيورة – رئيس وزراء لبنان السابق الذي أجهش بالبكاء أثناء انعقاد إجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب خلال العدوان الإسرائيلي على بلاده. وفي حديثه لإحدى الفضائيات اليمنية عبّر الدكتور/ الحاضري عن توجسه من أن يكون بكاء باسندوة تدشيناً لعصر البكائيات السياسية. وفي الحقيقة ينبغي علينا أن نقدر مشاعر الرجل النبيلة. فكيف لا يبكي وهو يرى من خلال موقعه السياسي المتقدم ومن خلال خبراته الحزبية والجبهوية والسياسية المتراكمة مشهدا ً تراجيدياً مأساويا ً يشكل خارطة المستقبل لهذا الوطن. وكيف لا يندب حضه العاثر الذي جعله في مواجهه مباشرة وغير متكافئة مع جملة استحقاقات ما انزل الله بها من سلطان. وجعله في مواجهه ظروف هي من أصعب الظروف التي تواجهها البلاد وأكثرها تعقيداً، وفي مرحلة فارقة في تاريخ شعبنا تتناسل فيها الأزمات بمتوالية هندسية لا قبل له بها ولا يستطيع مواجهة تبعاتها وتداعياتها، مع خزينة تم تفريغها بصورة همجية وشرسة وثروات تم إستنضابها بصورة منظمة، ونظام اقتصادي مكشوف يعاني من اختلالات بنيوية وهيكلية حادة ورثه من الحكومات السابقة. إن البكاء في واقع الأمر لا يستجلب أو يستحضر في لحظه ما ( حسب الطلب) ولكنه بواعث كامنة في اللاوعي الإنساني. وبناءً عليه فإن من الإنصاف بمكان أن نقدر لهذا الرجل الاستثنائي الذي جاء في الزمن الاستثنائي هذه المشاعر الإنسانية. ونمد له يد العون في مواجهة تحديات اللحظة التي فرضت علينا مسئولية جماعية، علينا أن نتحملها بصبر وجلد حتى نتمكن من عبور الأزمات بأقل الخسائر الممكنة.