عامٌ كامل مرّ على غياب الدور الحقيقي المباشر للمسجد ومنابر الخِطابة.. ذلك الدور الذي نحتاجه كثيراً في هذه الفترة العصيبة من حياة اليمن. عامٌ من التخوين والتكفير والشتائم والتحريض وهتك الأعراض وإثارة النعرات والفوضى الأخلاقية وتبرير القتل والتنكيل والكيل بعشرة مكاييل دون احترامٍ لقداسة المنبر وعظمة المتوجهين إليه. عامٌ من الاعتقالات والاستقالات.. والوجع اليوميّ المرير.. والفقدان.. والتخريب.. والمماحكات الطائشة.. والعبث الهزيل بمقدرات الوطن. عامٌ من العتمة.. والجفاف.. والقحط.. والصبر الكبير على كوارث البشر.. والمعاول الهدامة.. والمؤامرات الدنيئة.. والحشد الهائل لمعاجم البذاءة والسباب اليوميّ. فأين غابت لغة المنبر؟ وأين وضع رجال الدين رحالهم وأمتعة قلوبهم وعقولهم؟ وهم الذين يتحملون الخطأ الأكبر مما وصل إليه حال البلد؟ ويتحملون وزر الكثير من الأخطاء حين انقسموا ما بين فريق يؤلّه زعيماً.. وفريق يبرر سفك الدماء.. وفريق التزم الصمت المشين. هذه هي الجمعة الأولى في مسار اليمن الجديد.. الجمعة التي نأمل أن ننطلق منها صوب الغد الذي نرجوه ونطمح فيه إلى تنقية القلوب من درن الأحداث.. ومحو لغة الفواجع من العقول التي ترسبّت في تلافيفها كل معاني الشر والتحايل في أبشع الصور التي ارتسمت في مخيلة وواقع الشعب المغلوب على أمره. هذه جمعة الأمل المشنوق في أقصى دوائر التردي.. والجواب الحقيقيّ المنسيّ في دهليز الشماتة لأرقى سؤالٍ ننتظر تجاوزه لنصل لأولى مراحل الأمان والسكينة وإعادة قيمة الحياة اليومية للمواطن والخالية من كل ما من شأنه تعطيل استقراره ووثوبه للقادم الذي يرجوه.. هنا ينبغي على رجال الدين وأرباب الكلمة أن يحثوا الخُطى في أن يرتقوا بخطابهم، وأن يستعيدوا الثقة الشبه منعدمة بينهم وبين الشعب؛ ليشكلوا حلقة واحدة من البناء والتواصل الإنسانيّ.. والدفع بتحقيق أحلام الشباب في يمنٍ ضحوا على ترابه بقداسة دمائهم وأرواحهم، ضاربين أجمل ملامح النضال.. وفاتحين للوطن سدود الأمل وجمود المسيرة.