كل الثورات الناجحة سبقها وعي انتفاضة أخلاقية، هدفها الخلاص من وضع مأساوي، وتبعها إيمان عميق بسمو الروح وتخففها من أدران الماضي.. لتضرب أروع الأمثلة في تطبيق قيم التسامح والمحبة والتفاف الجميع سواء كانوا ثواراً أو خصوماً أو محايدين أو صامتين. لكن حقيقة الربيع العربي لم تفرز مخرجاتها حتى اللحظة سوى تفاقم الخلافات وبروز لغة الأحقاد والعداوات القميئة، وكأننا صرنا في مستنقع تراكمات مريضة بالانتقام والانتصار لنا منا فقط لا أكثر. فإن كان البعض يدعي بثوريته الاستناد لمحرض ديني إسلامي.. فأخلاق النبي الأعظم محمد - صلى الله عليه وسلم - جعلته يتسامح مع من آذاه وقاتله وأخرجه من بيته ووطنه وقال لهم بعفة النبي وسمو النبلاء يوم فتح مكة:”اذهبوا فأنتم الطلقاء”. وإن كان البعض اندفع للثورة من بابٍ لا علاقة له بقيم الدين.. وإنما من منطلق أفكار يسارية وتأثر نخبوي برموز ومخرجات ثورات عالمية فإن تلك الثورات قد ضربت أروع الأمثلة في تحقيق أهدافها الإنسانية لنبل مقصدها وسلامة نفوس معتقديها من براثن الأحقاد والثارات الرخيصة.. وغاندي ومانديلا وغيرهما ليسوا ببعيدين عن هذا المقصد النبيل. غير أن ما يوجع القلوب ويحز في النفوس ويفقد ثورات الربيع العربي صفاءها ونبلها هو ما جرى ويجري من انقسامات وفُرقة.. وعداء سخيف.. وتطاول قذر يدور بين كثيرٍ ممن هم محسوبون على الثورات، ولا أستثني طرفاً من الفصائل التي تدّعي ثوريتها.. بينما من نعتقدهم مثقفي تلك الفصائل ضالعون في أسوأ نتاج عربي عرفته الشعوب من خلال منابر السباب والشتائم والتخوين والكيل بمكاييل. والعداءات الشخصية التي فاقت كل ما كان متوقعاً من ثوراتٍ يُفترض أنها هذبت النفوس، ومنحت الجميع دروساً لا تراجع فيها عن مستقبلٍ يضج بالمعرفة السليمة والعطاء النبيل. ومن يعترض على هذا فبإمكانه متابعة ثقافة الخزي والعار من أغلب مثقفي ثورات الربيع العربي في سائر نتاجهم الإعلامي من وسائل إعلامية مقروءة ومسموعة، وأسوأها على الإطلاق هذا الفضاء الفيسبوكي الذي أحالوه إلى مستنقعٍ قذر تتشكل فيه مخرجات ثقافاتهم الهزيلة وادعاءاتهم الموبوءة ضدّ بعضهم.. ماعدا نماذج بسيطة حافظت على نبلها وصفاء أرواحها.. وتجاوزها هذا العفن الذي أحبط الجميع في بناء مستقبلٍ نعوّل فيه على نُبل مقاصد الثورات التي جاءت - وللأسف الشديد - على غرّةٍ من شتاتٍ أخلاقيّ لا ندري متى سيتطهر من درن أغلب مثقفيه؟!.