كثيراً ما تحدث السياسيون أن الخلافات السياسية لا تعني أن هناك خلافات شخصية بين المختلفين سياسياً، لكن يبدو أن هذا الكلام غير وارد في السياسة العربية، ونحن نرى تحول الأولى إلى الثانية والعكس حتى اختلطت الأوراث لدرجة لم نعد نستطيع التفريق بينهما، وربما أن السياسيين أنفسهم لا يستطيعون ذلك. الأرجح أن يكون السبب عند المشتغلين بالسياسة وقد صاروا لا يفرقون بين المشكلات السياسية والخاصة، وقد وصل الحال في بعض الأحيان إلى الخلط بين ما هو شخصي وخاص جداً وبين القضايا العامة والسياسية. هذا الخلط بين أنواع الخلافات ربما يفتح أبواباً أخرى أكثر اختلافاً وتعقيداً، ويغلق أبواباً يفترض أن تُفتح بصدق ونوايا خالصة لوجه الله والوفاق الوطني، ولذلك لا يمكننا الحديث عن مصالحة وطنية ووفاق وطني وغير ذلك من المسميات الرنانة وفي ذات الوطن نتخذ مواقف عدائية وشخصية من بعضنا البعض. كما لا يمكن إغلاق باب الأزمة مع بقاء حسابات مؤجلة وحديث عن انتصار وكسر شوكة وما إلى ذلك من مفردات التعالي والخصام. من أجل مصالحة حقيقية وحلول جذرية لابد من وضع مسافات فاصلة بين ما هو عمل سياسي وما هو حساب شخصي وعلاقة شخصية، ولابد من القناعة أولاً بمعاني المفردات المستخدمة في سياق ما يعرف بالوفاق والمصالحة وتجاوز الخلافات السياسية لتصبح تلك المفردات بمعانيها في الواقع سلوكاً حقيقياً يمارسه الناس وخصوصاً أهل العمل السياسي في سياساتهم ومواقفهم. في الواقع ثمة إجراءات جرى تنفيذها من باب إغلاق صفحة الماضي واعتراف الجميع بها، وأقصد بالجميع هنا أطراف الأزمة وفرقاء العمل السياسي خلال الفترة الماضية. ربما تكون تلك الإجراءات فُرضت بصورة أو بأخرى لكنها كانت مفتاح الحل وعلى أساسها بُنيت الخطوات اللاحقة لها ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه كنتيجة لما تم القبول به، ولذلك عندما نسمع اليوم تصريحات وبيانات تشخصن الخلافات فإننا نستغرب أولاً هذا الأمر ونخاف بعد ذلك من بقاء النار تحت الرماد بما ينذر باشتعال النار فوق الرماد وامتدادها في الطول والعرض. لا يمكن التأسيس لمستقبل آمن ومستقر إذا ظلّت الأحقاد الشخصية حاضرة في العلاقات السياسية وظل الخلط المقصود أو غير المقصود بين شيئين مختلفين تماماً. في البدء كانت الخلافات الشخصية التي أغلقت كل أبواب الحلول، وبعد ذلك جاءت ظروف استطاع البعض استغلالها لتحويل القضية إلى مسار سياسي ومن ثم استخدم كل طرف إمكانيته وشعبيته وسياسته لتوجيه الأزمة إلى حيث يريد وإلى حيث تخدم أهدافه. لقد تحول الشخصي إلى سياسي ثم هانحن نرى جهداً يريد أن يحول السياسي إلى شخصي، وهنا يكمن الخطأ الذي يتحول مع الأيام إلى خطيئة كبرى عندما تبقى البلاد أسيرة الخلافات الشخصية وربما العائلية في توصيف آخر. من الواضح أن هناك جهوداً تريد تصفية حسابات خاصة تحت مظلة سياسية وفي ميادين سياسية بينما هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون منافسة وعناداً بين أشخاص توافرت لهم إمكانية اللعب ببلد وشعب على النحو الذي رأيناه ونراه وسنراه لاحقاً.