الدعوة لإعادة هيكلة الجيش والتي دعا ويدعوا لها الثوار في جميع الساحات على امتداد الجمهورية هي في حقيقة الأمر ليست دعوة إلى تصفيات حسابات الثوار مع الحرس أو الأمن المركزي أو القومي أو غيرها من القوى التي ظلت تعمل لصالح عائلة علي صالح طيلة فترة الثورة, لكنها دعوة هدفت وتهدف إلى تحقيق الهدف الثاني من أهداف ثورتي سبتمر واكتوبر المجيدتين وهو بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها. هذا الهدف الذي ظل طيلة الثلاث والثلاثين سنة الماضية مصادراً, وظل على إثره الجيش متعدد الولاءات, وهو ما جعلنا اليوم أمام صورة حقيقية لهذه الولاءات كشفتها لنا الثورة ودعتنا أن لا ننظر إلى خطورة انقسام الجيش بالنسبة للثورة بين مؤيد ومعارض فحسب بل جعلتنا ندرك مدى الخطورة التي كان قد وصل إليه الأمر في بناء هذه القوات حيث أصبحت وربما لا أبالغ إن قلت: إنها لا تعرف العدو الحقيقي الخارجي المحتمل والمتربص بالبلد ووحدته وأمنه واستقراره, خصوصاً بعدما تبين لنا جلياً أن بعض الوحدات العسكرية كان يتم استحداثها على حساب تهميش دور وحدات أخرى. بدا النظام حينها متوجساً من طبيعة ولائها وإن كان وطنياً مادامت لا تؤمن بولاء لشخص رئيس النظام وعائلته وهو ما جعلها أمام أزمة ثقة حقيقة مع رأس النظام السابق وعائلته, فقد كان الترمومتر الذي بموجبه تقاس حرارة الوطنية لدى القيادات والوحدات العسكرية يتمثل في مدى ولائها للرئيس السابق وعائلته, الأمر الذي كان له أبلغ الأثر في تعيين قيادات على أساس القرابة والمنطقة دون اعتبار للمؤهل والكفاءة والتخصص والخبرة أتت هذه التعيينات على حساب تسريح العديد من القيادات الجنوبية المؤهلة والكفوة ليس هذا فحسب بل وصل الأمر إلى الحد الذي تم معه استحداث وحدات عسكرية بغرض ايجاد مكان قيادي لشخص في العائلة لا يصلح أن يتدرج في سلم الرتب أوالسلم القيادي مادام قد خرج من بيت تؤخذ فيه القيادة كابرا عن كابر وما قصة استحداث قوات المشاة الجبلي لتكون تحت قيادة خالد، عنا ببعيد, وهو ما جعل البلاد تعيش أزمات حقيقية كثيرة ومعقدة أوصلتنا إلى وضع بتنا معه مهددين بالتشرذم والانفصال. نشأ هذا الوضع ونجمت تلك الأزمات المستفحلة بسبب بسيط وهو تحول بناء الجيش عن مساره الوطني الصحيح, ليسير نحو أن يصبح جيشا قامعاً لحريات الشعب في سبيل عائلة حاكمة, كيف لا وعلى صالح نفسه قد اعترف بلسانه أنه لايبني الجيش إلا ليستعرض به أو يقمع به حريات الشعب, بتلك التصرفات، وبهذا الإيحاء الذي لا يُعرّف الفرد في الجيش عدوه الحقيقي ويجعله يستشعر أن عدوه الحقيقي هو الشعب حينما يتمرد على الحكم ويقف مطالبا بحرياته وفقاً للدستور تصبح مطالبات الشعب بإعادة الهيكلة للجيش وبنائه على أُسس وطنية وفقا لما هو منصوص عليه في الدستور والقانون العسكري, تكفل الانتقال بالجيش ليكون جيشا محترفاً يحمي البلاد ويحرس المكاسب الوطنية من الواجبات الوطنية المتحتمة دستوريا, ليصبح الجيش قوة حقيقية وفعلية بيد الشعب وليس بيد فرد أو عائلة أو حزب سياسي أو قبيلة أو قائد عسكري, وبحيث يسير صوب ممارسة مهامه الحقيقية المتمثلة في حفظ السيادة الوطنية التي تحتم أن يٌعسكر على امتداد الحدود اليمنية بحراً وبراً, وتقتضي بناء جيش تُدور فيه القيادة بين ذوي المؤهلات أصحاب التخصصات والكفاءات بحيث نصل بجيشنا لأن يضاهي الجيوش الحديثة تخطيطاً وتأهيلاً وتدريباً وتسليحاً وبما يوصلنا إلى تحقيق جاهزية قتالية عالية. الأمر الذي يستدعي تحسين الوضع الحياتي والمعيشي لمنتسبي الجيش والأمن بما يرد لهم اعتبارهم الذي سُلبوه في عهد نظام على صالح وعائلته. إن إعادة هيكلة الجيش والأمن تعني اجتثاث منظومة القتل ممن وُجِدوا في أعلى هرم القوى والوحدات في المؤسسة العسكرية إلى مزبلة التاريخ, وإن مما يتوجب علي الجميع وفاءً لدماء الشهداء وسعياً لتحقيق باقي اهداف الثورة والإسهام والمشاركة الفاعلة في كل المسيرات والأنشطة والفعاليات الهادفة والداعية إلى إعادة هيكلة الجيش والأمن, لتعيش اليمن حرة آمنة موحدة شامخة أبية.