لا نجد المبرر للتحامل الشديد على أبناء شعبنا في الجنوب، والذي انخرطت فيه بعض ”الأقلام” الصحفية، فكانت عرضة لسلوك خاطئ مشين يأباه العمل الصحفي السوي وترفضه أخلاق المهنة، لأننا نفهم أن للصحافة مسئولية أدبية يجب أن لا تفارقها، وعندما الكتابة الصحفية تتحول إلى أداة من أدوات التحريض وتكريس ثقافة الكراهية بين الناس ودق أسافين الصراع وتعميق الفجوة، فإنها تصبح أداة خارجة عن القانون والأخلاق.. وهذا ما لا نقبله من زملاء نظنَّهم الصفوة. هؤلاء الذين تكالبوا الآن مسعورين، يهاجمون أبناء الجنوب، لم نرَ للأسف، أحداً منهم يكتب كلمة واحدة، أو يذرف دمعة واحدة، أو يطلق صرخة واحدة، أمام أعمال القتل والبطش والمذابح في ساحات وشوارع الجنوب منذ 2007م، ابتداء بمجزرة المنصة الشهيرة بردفان، ومروراً بمجازر عدن والضالع وحضرموت وشبوة وأبين ولحج والمهرة بحق المتظاهرين العزَّل في الحراك السلمي الجنوبي..! قد نستثني هنا الزميل منير الماوري، الذي رفع صوته، وأعلن خوفه وأشهر قلمه، يوماً ما، دفاعاً عن شعب الجنوب وقضيته، على الرغم من أنه الآن يجلد القضية الجنوبية ويسفّه الحراك الجنوبي السلمي بصورة فجّة وغير مبررة، اللهم إلاّ إذا كان قد استخدم هذه القضية لحسابات محدودة مع علي عبدالله صالح، وعندما رحل هذا عن السلطة، سقط مبرر الماوري في الدفاع عن الجنوب وقضيته! وربما يشفع هذا له..! لكن ما الذي يشفع، مثلاً، لزملاء “الزفّة” الذين صمتوا عقداً ونطقوا كفراً بحق الجنوب وقادة الجنوب وثورة الجنوب؟ هؤلاء كيف يريدون أن يقنعوا الناس بوحدويتهم، وبخوفهم على الوحدة وبصدقية ونزاهة نواياهم الوحدوية، وهم للأسف يمارسون الانفصال في كل مرة، وأكثر من ألف مرة، بصورة فجّة وفظة: مارسوا الانفصال عندما تخلوا عن الجنوب وشعب الجنوب، وهو يتعرض للإقصاء والتهميش، ولأشكال النهب لثرواته وممتلكات الناس العامة والخاصة، وللقتل الممنهج منذ 7 يوليو 1994م الذي أسموه، لسخرية الأقدار، “يوم الانتصار العظيم”! مارسوا الانفصال مرة أخرى عندما تحرك شعب الجنوب قبل خمس سنوات في مظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية. وحينها وقف هؤلاء متفرجين سلبيين بدون أقول! ولم نسمع لهم صوتاً مؤيداً يشد من أزر أبناء الجنوب، أو مستنكراً لما يجري بحقهم..! مارسوا الانفصال عندما كان يقتُل أبناء الجنوب أثناء مظاهرات واحتجاجات الحراك السلمي الجنوبي بشكل يومي تقريباً..! ومارسوا الانفصال، ليس فقط بصمتهم إزاء ما يجري في الجنوب من بطش ونهب، ولكن أيضاً بمحاباتهم ودفاعهم الفاضح عن الجرائم التي قتلت روح الوحدة في نفوس وضمائر ووجدان أبناء الجنوب..! مارسوا الانفصال، ولا يزالون، عندما عبر شعب الجنوب عما يتعرض له من غبن وقهر ومعاناة برفضه الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومقاطعته العلنية لها، ليس رفضاً للرئيس عبدربه منصور هادي، ولكن لإيصال رسالة للآخرين حتى يلتفتوا لقضيتهم.. فإذا بأقلام النفاق تصعّد من حملتها المسعورة على الجنوب، ولم تترك تهمة إلا وقذفتها بحق أهلنا هناك. مارسوا الانفصال، ويمارسونه بفجاجة، عندما يتجاهلون الأسباب التي أوصلت شعب الجنوب إلى هذا المستوى من المطالب، ولم يكلفوا أنفسهم البحث العميق عن الأسباب وسبل الحلول لها. ويمارسون الانفصال اليوم، عندما يشهرون سيوفهم ”مبترعين”، وبلهجة استفزازية رعناء: “إلاّ الوطن”! هكذا وكأنما هم فقط الوطنيون. ونسوا أو تناسوا أنهم تعلموا الوطنية والوحدوية على أيدي أبناء الجنوب كما قال البرلماني الوطني والوحدوي الحقيقي عبدالعزيز جباري. يعلم الله أن أبناء الجنوب لم يترددوا لحظة واحدة في التضحية من أجل يمن موحد.. ولا داعي للخوض في تفاصيل قيام الوحدة.. وكيف جاءت، وبماذا جاء أبناء الجنوب إلى الوحدة؟ لكن التضحية شيء، وفرض الشروط المجحفة والواقع المجحف وتجاهل الحقوق والمصالح والكرامة شيء آخر.. وهو ما لا أعتقد أن أحداً سوياً يقبله أو يقبل المساومة عليه. كما، يعلم الله، ويعلم هؤلاء المفتونون بالفتنة، كم ردد أبناء الجنوب الدعوات والصرخات لتجنب هذا الواقع المؤلم الذي وصلنا إليه في الجنوب والشمال معاً.. غير أننا فيما يبدو نقف أمام متاهة لا نهاية لها.. فالذين لا يريدون الخير لهذا الوطن من أبنائه، هم أكثر بكثير من الذين يسعون لاستقراره. يا سادة.. دعونا من لغة التهديد والوعيد.. ودعونا من هذه الكتابات المتمترسة والمتخندقة، التي تنفخ بلغة العنف والحروب والقنابل.. وتعالوا الى كلمة سواء..! فشعار “الوحدة أو الموت” لا أعتقد أنه لا يزال نافعاً أو يلقى رواجاً، اللهم إلاّ إذا كان رواجاً لحروب أخرى وفيد آخر. إن الوحدة لا يمكن أن تستمر كواكبها على برك الدماء والقتل والخراب. ولن ننعم بالاستقرار، أو ننجو من لعبة الموت، مادام بيننا من لايزال يعتقد أن “الوحدة” لونها أحمر..!!