شبهَت إحدى الناشطات تسلم الرئيس والحكومة الجديدين للسلطة وقراراتهما الأخيرة التي يراها كثيرون متواضعة كطفل تزوج طفلة برضا مجتمعهما وأصبح كل منهما يتلقى المديح والتصفيق كلما أنجز أحدهما عملاً أو قراراً ولو بدا غير ضروري. وبالمثل تقابل قرارات عبدربه وباسندوة من قبل الأحزاب والدول الخليجية والغربية الراعية للمبادرة بالتشجيع والتأييد، ليعتقد كلاهما بأنه يبذل ما هو فوق طاقته، وأن قراره كان قوياً مادام تلقى كل ذلك التأييد. فكان أول قرار ترفيهي هو إعطاء اللجنة العسكرية راحة طويلة، بعد أن أنهك أعضاؤها أنفسهم كثيراً بإزالة المتاريس من عشرة شوارع في العاصمة، رغم اشتعال نيران الفتنة والفوضى في سبع محافظات، ليكررا معاً غلطة الرئيس السابق في تجاهل احتياجات الملايين الجائعة وأولويات الوضع الراهن المشتعل. كان ما سبق هو وصف فرقة من الناس لنوع وطبيعة قرارات الرئيس وحكومته الأخيرة، وهم غالباً من ملوا من استمرار الوضع الراهن ونقموا من ضعف مواجهة الحكومة للتحديات المعيشية والأمنية الحالية الخطيرة المتمثلة في وصول 7 ملايين مواطن خط الفقر الغذائي الحاد وجرائم الحوثيين في حجة وصعدة وتمدد القاعدة إلى أربع محافظات وتقدمها على مسار العمليات العسكرية. لكن ربما أن ما لا يعلمه الكثيرون هو حقيقة التحديات والنتائج (الموجزة أدناه) التي يمكن أن تفجر الوضع، لو لم يتعامل معها الرئيس بعناية كاملة تتطلب صبر الشعب في وقت دقيق للجميع. السياسة الراهنة في اتخاذ القرار يصرح هادي أنه تسلم الرئاسة مكرهاً كفدائي لتنفيذ المبادرة الخليجية؛ كونه مدركاً لصعوبة الخطوات المقبلة. وهذا معناه أنه يطلب من الجميع أن يفهموا أن دقة الوضع لن يسمح له بتحقيق التغيير المنشود وإنما التأسيس للمناخ المناسب طيلة العامين لعقد تصالح وطني وانتخابات نزيهة تكون مسؤولية التغيير على عاتق الحزب الفائز فيها. لذا فالرئيس ينحو باتجاه تطبيق المبادرة فقط، إلى جانب مهمة صعبة جديدة تمثلت في التغلب على التحديات الأمنية التي لم تبدأ إلا عقب توقيع المبادرة. لذلك فلم تركز قراراته على إحداث التغيير، ذلك أنه يضع في الاعتبار ضغوط صالح في وضع رجاله في مناصب جديدة والإبقاء على آخرين. لا مشكلة في ذلك حالياً، لكن وأمام استخدام صالح لورقة الآلة العسكرية التي يمتلكها والمؤتمر الشعبي الذي يمتلك نصف الحكومة عبره، لا يستطيع الرئيس التسريع بالإجراءات لاسيما هيكلة الجيش والمؤسسات للتغلب على تلك المستجدات الخطيرة. ولكل ذلك فقد قام الرئيس “بتبديل” قيادات القليل من المؤسسات ليضع بدلاً منها نوابهم أو شخصيات اعتيادية، ومن نفس المؤسسة لا تعطي انطباعاً بالتغيير ولا يخرج عن هذا السياق إلا قيادة محافظة عدن وإدارة التوجيه المعنوي وطيران اليمنية. فرص هادي لاتخاذ القرار الحاسم أمام التحديات التي يواجهها هادي، فلديه الكثير من الفرص التي يمكنه استخدامها لصنع القرارات المناسبة للتغلب على هذه الظروف أهمها: تمتعه بالشرعيات الدولية والدستورية والثورية، حتى إن الحرس الجمهوري والفرقة الأولى والرئيس السابق نفسه ركضوا الكرة إلى ملعبه بإعلانهم عبر مختلف وسائل الإعلام ولاءهم له. كما أن قرار مجلس الأمن 2014 يخوله باتخاذ كل القرارات اللازمة، وأحد تلك الفرص هي الوضع المعيشي والأمني الذي أصبح لا يطاق ولا يبرر، بل يتطلب اتخاذ أي قرار إزاءه ولو كان استثنائياً. كما أنه وبانسحاب جميع المعسكرات من المحافظات الجنوبية إلى داخل مدن المحافظات، وسقوط الكثير من تلك المناطق في أيدي القاعدة، وتوسع الحوثيين إلى حجة، واستعادة نشاطاتهم العدائية في صعدة، كل ذلك يفتح الدعم الدولي والإقليمي بقوة وبشكل مباشر وسريع، بل إنه سيشكل ضغطاً على هادي لاتخاذ قرارات قوية وحاسمة.
تحديات كسر العظم لعل القريبين من كبار صناع القرار هم الأكثر معرفة بطبيعة وماهية التحديات التي يخشى هادي ظهورها، فيما لو اتخذ قرارات قوية لتغيير القيادات الحكومية والعسكرية الفاشلة والفاسدة. فهم يعترفون بأن الرئيس السابق لم يخرج من دائرة الأحداث بتاتاً، ولهذا كانت مطالبة الساسة بهيكلة الجيش قبل الحوار الوطني الذي ينبغي ألا ينعقد تحت ضغط طرف على آخر؛ حتى تكون المصالحة سلسلة وعن طيب خاطر وليست تحت فوهة المدافع، وبالتالي ليست عرضة للنقض المبرر بعدئذ. ولعل الكوارث الأمنية المصطنعة التي تلت إقالات قائد المنطقة الجنوبية ومدير المؤسسة الاقتصادية ومؤخراً إدخال عناصر على أنها من القاعدة للتموضع في جبال تعز وتجديد ضربات نهم وأرحب بكثافة مجدداً تنم جميعها عن مثال بسيط لمدى خطورة وأنواع لمثل هذه التحديات. لقد ظهر أن مواجهة قوات الرئيس السابق الأمنية والعسكرية بقوات مضادة كما حدث في تعز منتصف العام الماضي قد أعطى صالح المبرر الكافي لقصف الشوارع والبيوت كما في سوريا اليوم. إلا أن معرفة الساسة ومنهم قائد الفرقة الأولى بطريقة تفكير شريكه القوي السابق “صالح” قد جنب الثورة تكرر ذلك الخطأ “بتقديري” في صنعاء ولا في مكان آخر عدا أرحب ونهم حتى اليوم. كما كان عدم حصول صالح على أي دليل لا يقبل الدحض بارتكاب المشترك أو المتظاهرين العنف قد قطع على صالح الطريق للاستمرار في ضربهم بالنيران. لذلك فقد كان قائد الفرقة يؤكد غير مرة على التزامه القوي بحمايته الثورة، ما لم يرتكب أعضاؤها أي عنف. ونظراً لخشيته من نفس طريقة تفكير صالح في بحثه عن مبررات التفجير، يدرك الرئيس اليوم هذه الإشكالية، وكما يقول أحد الساسة: إن الرئيس يتعامل مع صالح كأنه خبير متفجرات؛ يفكك لغماً معقد التركيب، وعليه أخذ وقته لقطع أسلاكه بطريقة منهجية حتى لا يحدث خطأ صغير، وعندئذ يحدث الانفجار. قد يعتقد الرئيس أن كل الدعم السياسي والشرعيات الممنوحة له لن تشفع له ولا للبلاد إن فكر باتخاذ القرارات الثقيلة، وبالتالي فلم يعد يمتلك حالياً إلا أمر أعضاء الحكومة بالتزام أوامره ورئيس الوزراء فقط وأعضاء القضاء برفض تدخلات أيٍ كان من النافذين، كما هدد الحكومة - يوم أصر أعضاء المؤتمر منهم - بحل الحكومة والبرلمان، وإقامة حكومة وحدة وطنية طارئة إن تكرر ما حدث. ومؤخراً، وتحت الضغط الشعبي، قام بالتلميح بقرب إقدامه على اتخاذ قرارات حاسمة لكسر الثلج والتغلب على الظروف التي تؤدي إلى الهزائم المتعددة للجيش على يد القاعدة، وهو بذلك يأمل في حدوث تقدم يتمثل بضغوطات دولية وإقليمية ناجحة؛ تكسر القيود التي أحاطه بها صالح، ليتمكن من العمل بكفاءة في الجبهات العسكرية بالذات. لذلك فإننا نلاحظ استباق انتهاج وزيري الدفاع والداخلية نفس منهاج الرئيس في وعد البرلمان بثقتهما بإحداث تقدم كبير في سير العمليات العسكرية في غضون أسبوعين، ولم يفرق بين وعدهما ووعد الرئيس إلا يوماً واحداً فقط. السيناريوهات المتوقعة للمستقبل القريب في حقيقة الأمر، فهادي العسكري العتيد المعروف بنزاهته قد أظهر توازناً فريداً أمام صلف بقايا النظام السابق وبين قوى الثورة يتشابه بمواقف عبدالكريم الإرياني، تجلى للعيان في عدم مشاركتهم في تجمعات النصرة لصالح في السبعين، ولا في صلوات الجمعة مع صالح لحسن حظهم. وصار الآن وبتحقق الضغوطات الدولية المساندة اتخاذ القرار الصائب القائم على معارفه بالكثير من الدقائق والأسرار ومهاراته في إدارة الأزمات وفض النزاعات التي تريد جميعها استغلال جميع الفرص وحل المشاكل من الجذور كلما سمحت الظروف بذلك. وكما أسلفنا، فإن قرارات الرئيس ستكون قوية ومتحررة من أية قيود مع حدوث اهتزاز لآلة النظام السابق العسكرية بأية طريقة كانت، وإلا فلن تكون النتيجة إلا مسألة حظ واحتمالات بأن تمضي تلك القرارات في حل الإشكاليات الراهنة أو ينفجر الوضع في كافة أنحاء البلاد، بالإضافة إلى المناطق الملتهبة فعلياً. كما إن إحدى المخاطر التي قد تنبثق من اقتصار تغيير الرئيس لقيادات المؤسسات التي يثور موظفوها عليهم هي زيادة ألسنة لهب ثورة المؤسسات الأخرى التي قد ترى أن التغيير لا يتم إلا لقيادات المؤسسات التي تثور فقط. من ناحيتهم، قد يعاود شباب الساحات ثورتهم من جديد في حالة استمرار الوضع الحالي وعدم إحداث تغيير حقيقي وفعال، وقد تفعل أحزاب المشترك ذات الفعل في حالة الفشل في إحداث تغيير للأوضاع أو رفض الطرف الآخر إعادة هيكلة الجيش واستخدامه للغط على الحوار الوطني وقانون العدالة الانتقالية؛ كون تلك النتائج الباردة ستنعكس سلباً حتماً على شعبية تلك الأحزاب أمام الانتخابات القادمة، بل لتجنيب تحميلها وزر الصمت على مقتل المئات جوعاً وسفكاً.