يوماً بعد يوم، تظهر الأحداث والتطورات التي تتتابع وتجري على الساحة اليمنية، كنتاج لمسلسل طويل من الصراعات السياسية والعسكرية والقبلية التي أوصلتنا إلى هذا المآل الخطير مع بروز قوى جديدة في القطاعين العسكري والقبلي زادت الصراعات حدةً، وأخذ دورها مع مرور الوقت يتنامى لتصبح تلك القوى هي القوة الرئيسية التي تحرك الأحداث في مقابل تراجع دور الأحزاب والتجمعات السياسية باستثناء حزب الإصلاح الذي فطن منذ وقت مبكر إلى أهمية تحالفه مع القطاع القبلي وبعض القيادات العسكرية ، وأهمية الاستفادة من دور شخصية تمثل رمزاً قبلياً ومشيخياً ووطنياً محل إجماع واحترام مختلف القوى مثل المرحوم الشيخ عبدالله الأحمر الذي أسند إليه قيادة التجمع اليمني للإصلاح، لتعامله مع مختلف القضايا والأحداث في كل الظروف بحنكة ووعي وبعد نظر ومثّل مرجعية مهمة كانت الدولة تستعين به في إطفاء الحرائق وحل المشكلات وحافظ طوال حياته على المسافة بينه وبين القوى التي يختلف معها في الحدود المعقولة بل إنه مثّل عضد الدولة رغم اختلافه معها حيال كثير من الأمور. لقد مر اليمن منذ قيام الثورة بالعديد من الأحداث والتطورات والكثير من المحطات والمنعطفات التاريخية المهمة والصراعات المختلفة التي أتاحت في نفس الوقت مجالاً للتدخلات الخارجية التي كان لها التأثير الكبير في مجرى الحياة السياسية والحيلولة دون بناء وطن مستقر ثابت البنيان تستأصل فيه الأزمات من جذورها ويؤسس لبناء دولة ووطن خالٍ من الأزمات.. وهنا نستذكر السؤال الذي وجهه المرحوم الأستاذ محمد أحمد نعمان إلى مجموعة من المعتقلين السياسيين الأحرار في حجة من قادة الأحرار اليمنيين، الذين سألهم عن وضع خطة شاملة كبرنامج سياسي للأحرار ليضعه تحت عنوان “ماذا نريد؟”ورغم الإجابات التي وردت في كتابه “من وراء الأسوار” ظل السؤال معلقاً بدون جواب رغم طرحه للسؤال حتى بعد أن تولى أولئك مقاليد الحكم.. وإذا كانت الأمور قد وصلت إلى هذا المنحنى الخطير من الصراع بين المؤتمر الشعبي العام بكل ما يمثله على الصعيد السياسي والمدني والعسكري وبين المشترك والإصلاح بوجه الخصوص بكل مرتكزاته الحزبية والعسكرية والقبلية هل لا يزال مثل هذا السؤال الذي طرح في أغسطس 1953م صالحاً للنقاش وللطرح؟.. فرغم كل ما أنجزناه بالتوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة وفاق وطني وانتقال آمن وسلس للسلطة وانتخابات رئاسية كانت مبعث إعجاب العالم إلا أننا لم نتقدم خطوة حقيقية لإيجاد المخارج التي تضع حداً للانقسام ومسلسل الصراع، فنضع من بعد ذلك أسس بناء اليمن الجديد ودولته الحديثة.. فما يزال الجميع للأسف أسرى اللعبة الدولية واليمنيون مجرد بيادق في الملعب الذي يدار من الخارج. هل يجوز أن يلهينا الجري وراء الكثير من الشعارات عما ينشأ في ثنايا الصراع ويستغل من قبل قوى خارجية وداخلية تستهدف تدمير الوطن وكينونته ووحدته بل وتمزيقه؟ أين رؤية القوى المتصارعة وما هي الاستراتيجية التي نبني عليها توجهاتنا.. ليس لتجاوز الأزمة ولكن لبناء اليمن الجديد الثابت الذي تختفي فيه بذور حدوث أزمات أخرى. وعلينا أن لا ننسى أن التدخل الخارجي والاعتماد على الخارج لا يعمل إلا وفق ما يخدم مصالحه: إن المصالح الوطنية وتحقيقها يرتبط فقط بالوعي الوطني العام الذي يتعامل بمسئولية مع الأحداث مهما كانت قسوتها. يحضرني وقد شهدت جزءاً من حرب لبنان أثناء عملي كسفير في بيروت 1984-1990م ثم من 1994-1999م أن اللبنانيين الذين اجتمعوا في الطائف بالمملكة العربية السعودية عام 1989م وكانوا يمثلون مختلف القوى والطوائف اللبنانية كان من أهم القرارات التي اتخذوها أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه. فوضع هذا القرار حداً لكل مشاريع التقسيم التي كانت مطروحة خلال فترة الصراع ومدعومة بقوة من إسرائيل كما توصل اللبنانيون إلى اتفاق وضع خطة أمنية حددت مدتها بسنة وليس لجنة أمنية كما هو الحال لدينا إذ أُريد بتشكيل اللجنة الأمنية إزالة التوترات وإجراء الترتيبات والتمهيد لعملية الحوار. لقد أصبح المواطن اليمني اليوم في خضم الصراع الذي لا يستند إلى مرجعيات تتولى إدارته يشعر بالقلق والخوف مما يتسرب عبر الصحف حول الحوار ومواضيع الحوار من فيدرالية وأقاليم وغيرها من الطروحات والتي تلقى ردود فعل مؤيدة ومعارضة وكل ذلك لم يؤكد أو يوضح من قبل الجهات السياسية الرئيسية المسئولة إذ كان من المنتظر بعد عودة المتحاورين من برلين وقد أصدروا بياناً عما تضمنه لقاؤهم التشاوري عن الحوار وآفاقه ومخرجاته، أن يلقى تفاعلاً من المقيمين باليمن شمالاً وجنوباً. إن التهاون والتساهل وعدم إدراك الأخطار، التي يجب أن نتعامل معها بجدية وموضوعية، يؤدي إلى ولوج اليمن في مرحلة التيه والفوضى.. فهناك حراك جنوبي يعلي سقف مطالبه يومياً، وحوثيون يستفزون الخارج أكثر من الداخل وبدون سقف مطالب أو برامج سياسية واضحة، وقاعدة تمارس التخريب والتدمير وتعمل على تحويل البلد إلى بؤرة صراع دولي, بالإضافة إلى الانفلات الأمني والإداري والاستهتار بالدولة وكأن الجميع غير معني بالحفاظ على الدولة وعلى مقدراتها! وقد تكون هذه الحالة وغيرها مدعاة لكل القوى السياسية للإسراع بالانخراط في عملية الحوار بعيداً عن المكايدات وعن أي مطالب قد تعيق الحوار.. فهل نحن فاعلون؟ #عضو مجلس الشورى