كنت قد أشرت في هذه الزاوية قبل أسبوعين إلى أنه كان ينبغي على الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يتخذ قرارات «راديكالية» جريئة وحاسمة، فور أدائه اليمين الدستورية رئيساً لليمن لإنجاز التحول العظيم في البلاد وإنهاء حكم العائلة الذي جثم على صدورنا 33 عاماً. استشهدت في المقال نفسه بما قام به الرئيس الروسي الراحل بوريتس يلتسن ورئيس وزرائه ايجور جدار يومها من قرارات راديكالية وصفت بالمجنونة حينها ، لكنها أنجزت التحول ومن ثم تم مراجعتها وتصويبها وتلافي سلبياتها في روسيا الجديدة وبأدوات جديدة. عاتبني بعض الأصدقاء واتهموني بالتهور والقسوة على الرئيس هادي وتحميل الأمور في اليمن فوق ما تحتمل، فاليمن ليست روسيا. لم أتوقف كثيراً عند انتقادهم واكتفيت بالترحيب بمخالفتهم لي الرأي، باعتبار ذلك ظاهرة صحية مع إشارة إلى أن الأيام بيننا . لم يمر أسبوع بعد ذلك المقال حتى جاءت قرارات الرئيس هادي الشهيرة في الجيش والتي تمردت عليها عائلة صالح وماتزال متمردة حتى اللحظة . الآن وبعد أسبوعين من التمرد المستمر لعائلة صالح على قرارات هادي ، أستطيع أن أقول لكل الزملاء الأعزاء الذين عاتبوني إنني عندما طالبت هادي بما طالبته لم أكن متهورا ولم أكن جاهلاً بما يدور في البلاد ، بل إنني على دراية تامة بطبيعة الحال وعلى دراية أعمق بأننا نتعامل مع عصابة محترفة من طراز فريد ، عصابة استطاعت أن تحكم قبضتها على اليمن بأكملها طوال 33 عاماً ولست بحاجة للتذكير هنا ما الذي يمكن فعله خلال ثلاثة عقود من التفرد بكل شيء. التعامل مع رجال العصابات المتمرسة في تقديري لا يكون إلا بمنطق تلك العصابة الذي لا يقبل القسمة أو التجزيء ... ففي عالم العصابات لابد من اجتثاث العصابة من جذورها ودون مواربة أو مهادنة .. مالم فإن تلك العصابة تمتص الصدمة وتعود أقوى وأخطر مما كانت عليه بل وأشد فتكاً. الأخطر في أمر العصابة أنها ظلت تدير كل الفاعلين على الساحة السياسية اليمنية طوال تلك العقود بما في ذلك الرئيس ورئيس الحكومة وأعضاؤها وهي بالتالي تعرف تماماً كيف تلتف عليهم وتجرهم إلى ميادين لا يجيدون اللعب فيها فتسهل هزيمتهم. وما نشهده اليوم من تمرد وما يتسرب من تقارير عن اجتماعات تلك العصابة وما تحيكه للبلاد من مؤامرات يؤكد صحة ما أقول . علي عبد الله صالح ظل يدير اليمن طوال عقود حكمه بعقلية متهورة وهو اليوم باختصار شديد يتصرف بنفس المنطق لأنه لا يجيد غيره .. فلم يكن يوماً رجل دولة ولم تكن البلاد بالنسبة له سوى ملكية خاصة يتصرف ، يديرها عبر تلك العصابة . هذا النوع من العصابات لا تجدي معها الحوار.. ولا يثمر معها المعروف .. والسبيل الوحيد لإيقافها عند حدها يكمن في سحب قانون الحصانة. بدون ذلك سيبقى صالح يتآمر ويخطط لتدمير كل شيء، وبدون هذا سيبقى خطراً يتهدد البلاد والعباد ولن يتوقف شره عند حد . وإذا اعتقد الرئيس هادي أو أياً كان أنه يمكنه بالصبر والتروي والاستقواء بالوسطاء الإقليميين أو الدوليين أن يضع حداً لصالح، فإنه للأسف الشديد سيكون واهماً.. فالرجل زعيم محترف وقالها أكثر من مرة ...«أنا عاد أوريهم» ... و «القبر فقط هو نهايتي» وهو بالمناسبة نفس الكلام الذي قاله محمد صالح الأحمر منذ اللحظات الأولى لتمرد أبناء القوات الجوية عليه ، قبيل الانتخابات الرئاسية عندما قال إنه لن يغادر إلا ميتاً .. فماذا تريدون أكثر من ذلك ... خصوصاً ونحن نلمس على أرض الواقع أن الرجل وبقية أعضاء عصابته يتصرفون تماماً كما يقولون ... وهو بالمناسبة الأمر الذي لم يفعلوه طوال حكمهم لليمن .. إذ كانوا يقولون ما لا يفعلون ..