اشتباكات في طرابلس.. ومقتل مسؤول ليبي كبير    "اليونيسيف" تطلق مبادرة للحد من نقص التغذية في اليمن    اتفاق تجاري صيني امريكي وترامب يوقع مرسوم بخفض كبير للرسوم الجمركية    اتفاق تجاري صيني امريكي وترامب يوقع مرسوم بخفض كبير للرسوم الجمركية    المناخ الثوري..    وصول أول دفعة من ستارلينك إلى عدن تمهيداً لتوفير الإنترنت الفضائي بالمناطق المحررة    اللواء ناصر رقيب يشيد بإنجازات القوات الخاصة في مأرب    فتاوى ببلاش في زمن القحط!    أنا ابن الظلّ ..!    موقف اليمن في إسناد غزة ومواجهة قوى الاستكبار: النصر والدرس    قبائل الشاهل في حجة تعلن وثيقة الشرف القبلي للبراءة من العملاء والخونة    تأملات في التأمل    مكيش... ضحية لمرارة العيش    قناة عبرية: تصاعد التوتر بين تل أبيب وواشنطن وانتقادات لإدارة ترامب    الاعلام الاخضر يحذر: "شجرة الغريب" التاريخية في تعز على شفير الانهيار "تقرير علمي يكشف الاسباب والعوامل ويضع المعالجات"    اللجنة الأولمبية اليمنية تجري انتخابات الطيف الواحد للجنة الرياضيين    إصرار ونجاح لفتاة    المحكمة تعقد أول جلسة والمحامين قدموا دفوع وطلب افراج والنيابة لم تحضر المياحي من السجن    في ثاني اجراء من نوعه .. ضبط 3 سيارات (تستعرض) في موكب عرس        الكثيري يطّلع على استعدادات وزارة الأوقاف لموسم الحج    النفط يرتفع بعد محادثات تجارية بين الولايات المتحدة والصين    أعلن نادي ريال مدريد رسميًا، اليوم الإثنين، إصابة نجمه البرازيلي    المرتضى : الأمم المتحدة ألغت جولة مفاوضات حول الاسرى كانت مقررة في أبريل المنصرم    وزيرا الخارجية والنقل وأمين رئاسة الجمهورية يطلعون على أعمال الترميم بمطار صنعاء    قراءة نقدية في كتاب موت الطفل في الشعر العربي المعاصر .. الخطاب والشعرية للدكتور منير فوزي    قوات مشتركة تحاصر وكرا لتنظيم القاعدة قريبا من مثاوي بن حبريش    وزير الشباب يتفقد الدورات الصيفية بمديرية الحيمة الخارجية في محافظة صنعاء    وزارة العدل وحقوق الإنسان تُطلق دورة تدريبية متخصصة في إعداد الخطط التشغيلية وتقييمها    موعد إعلان رحيل أنشيلوتي عن ريال مدريد بعد موسم صفري    الكشف عن شعار كأس العالم للناشئين 2025    عدن تطرق أبواب تل أبيب    هندي يهاجم وزير المالية بصنعاء ويطالبه التعامل بمساواة    دبلوماسية بريطانية تصل عدن    بن بريك لن يستطيع تنفيذ وعوده التي تحدث عنها لصحيفة عكاظ السعودية    اكتشاف رسائل سرية مخفية على مسلة مصرية في باريس    وداعاً...كابتن عبدالله مكيش وداعاً...ايها الحصان الجامح    تمهيد لقيام سلطته.. بن حبريش يشق طريق جبلي بمنطقة "عيص خرد"    نساء عدن: صرخة وطن وسط صمت دولي مطبق.!    صبحكم الله بالخير وقبح الله حكومة (أملصوص)    المنطقة العسكرية الثامنة مقرها الضالع كارثة قادمة    حقيقة استحواذ "العليمي" على قطاع وادي جنة5 النفطي شبوة    الحرب الهندية - الباكستانية .. إلى أين ؟!!    بريطانيا وأمريكا تاريخ أسود من الإجرام المُفرِط بحق الأمة والإنسانية ! (53)    أكد أن نصرة المستضعفين من أبناء الأمة شرف وفضل كبير في الدنيا ولآخرة..الرئيس المشاط يتوجه بالشكر والعرفان لجماهير الشعب اليمني لتلبيتهم نداء الواجب ودعوة السيد القائد    بحاح يناقش آلية دمج الطلبة اليمنيين في المدارس المصرية وتحديث اتفاقية التعاون    مبعوث ترامب يهاجم حكومة نتنياهو ويتهمها بإطالة أمد الحرب في غزة    أمريكا.. وَهْمٌ يَتَلَاشَى    مرض الفشل الكلوي (4)    المدارس الصيفية ودورها في تعزيز الوعي    ضربة الشمس والإنهاك والفرق بينهما؟    ملخص مباراة برشلونة ضد ريال مدريد بالدوري الاسباني    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يدشن حملة توعوية في عدن تحت شعار "فضح زيف المغريات"    شركات أمنية رافقت نساء المنظمات والشرعية يوم أمس    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    الملك سلمان يرعى نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة احترام الوقت
نشر في الجمهورية يوم 29 - 04 - 2012

الوقت في عمرنا لحظات تمر سراعاً وما انقضى منها لا يمكن تعويضه بأي حال من الأحوال، وهو سر الحياة وما يحسب لنا أو علينا فيها فإن استثمرناه نلنا الرفعة في الحياة الدنيا والعزة في الآخرة وإن تركناه يمضي سدى ظللنا هكذا في أسفل الدرك لا دنيا ولا آخرة. ولولا أهمية الوقت لما أقسم المولى عزّ وجل بمواقيت تعاقبه من الفجر إلى الفجر عبر النهار والضحى والعصر والليل كما يقول سبحانه وتعالى: «والعصر، إن الإنسان لفي خسر»، «والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى»، «والفجر وليال عشر»، «والضحى والليل إذا سجى» صدق الله العظيم.
فالإسلام والقرآن الكريم وهب للزمن أهمية عظمى حين ربط التشريع الإسلامي معظم العبادات بأزمان مبينة ومفصلة وموزعة على جدول زمني ثابت مثل الصلاة والصيام والحج على سبيل المثال. لا بل وأكثر من ذلك، فقد ذهب الإسلام بعيداً حين جعل المرء مساءلاً عما أنفقه من وقت، حيث روى الترمذي في الحديث الصحيح «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه». وعندما أراد موسى عليه السلام أن يكلم ربه أتى في الموعد المحدد الذي وقّته له الله سبحانه وتعالى ولم يتأخر عنه «ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه». فكل شيء في ديننا الحنيف مربوط بميقات له قدسيته «فجمع السحرة لميقات يوم معلوم»، «إن يوم الفصل كان ميقاتا»، «إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا» صدق الله العظيم.
فللوقت قيمة حضارية لا تقدر بثمن والذي يذهب للغرب حيث الحضارة التقنية والمجتمع المتطور يعرف كيف تطورت هذه الأمم لأنها عرفت معنى الحياة وأنها مربوطة بدورة زمنية معينة فعلمت أن الطريق إلى الأمام يبدأ بمعرفة دورة الحياة هذه وبرمجة كل المخططات بالعامل الزمني ومنحه الأهمية القصوى عند أداء أية مهمة كانت رسمية أو خاصة.
ففي المجتمعاتِ الأكثر تقدماً فإن الوقتَ هو الإطارُ الذي من خلالِه تتم الخططُ وتُنفذ وتعد المشروعات وتُحوّل من فكرةٍ إلى واقعٍ؛ فالوقتُ هو إطار كل شيء: إطار كل فكرةٍ.. وإطار كل مشروعٍ.. وإطار كل خطةٍ.. وإطار كل برنامج.. وإطار كل إصلاحٍ.. بل وإطار كلِ التطوراتِ الاقتصادية والعلميةِ والتعليميةِ والثقافيةِ والاجتماعية. وبالتالي فإن من لا يعرف قيمةَ الإطار لا يعرف بالضرورةِ قيمةَ أي شيء يمكن أن يحتويه هذا الإطار.
أثناء مشاهدتي لبرنامج “خواطر في رمضان” العام الماضي كانت حلقته في غاية المتعة والروعة كانت تتحدث عن احترام الوقت والمقارنة مابين اليابان والدول العربية، للأسف رأينا الفارق الكبير بيننا وبينهم حيث إن الثانية بالنسبة لهم تعني الشيء الكثير فالوقت لديهم ثمين ويجب احترامه، فلو قال لك أحدهم لدينا موعد الساعة الواحدة معنى ذلك لابد الساعة الواحدة تماماً تكون في الموعد وهذا شيء رائع، والفرق واضح بيننا وبينهم فعندما نقول الساعة الواحدة نضيف عليها ساعتين أخريين معنى ذلك الساعة الثالثة وهذا احترام الوقت لدينا. هذه الأمم استفادت كثيراً من تعاليم الإسلام التي تحترم الوقت وتقدره بينما معظم المسلمين لا يعيرون للوقت أهمية تذكر، بل يهدرون قيمته في كل ما لا يفيد.
لقد أصبح أرخص شيء في حياتنا “الزمن والوقت“، فالأفراد يهدرون أوقاتهم بدون أي حساب أو تقدير، والجماعات تضيع وقتها وجهدها في أمور تافهة.
وحين نلقي نظرة على واقعنا في هذا المجال، فإننا سنلمس ما هو مخيّباً للآمال، ولا نخطئ حين نقول أننا لا نتمتع بثقافة تحترم الوقت والمواعيد وكل ما يتعلق بهذا الأمر، إذ كثير من الأفراد يتعامل بلا مبالاة مؤسفة مع الآخرين فلا يحترم مواقيت الموعد سواء كان لقاء للعمل أو الأنشطة الفكرية والثقافية وغيرها، وهذه إحدى مشاكل الشعوب التي تقبع في أسفل قائمة الحضارة، وحينما نبحث عن الأسباب والجذور سنعرف بأن من سبقونا هم الذين جذَّروا هذه الظاهرة في سلوكنا وعموم أنشطتنا.
كل التصرفات تدل على عدم تقديرنا لعامل الوقت، وكل الممارسات توضح أننا لا نحسب للزمن أي حساب، بل إنك تشعر بأن بعض الأفراد يخططون لضياع الوقت واستهلاك الزمن لأنه لا يعرف له قيمة.
وطالما أن الوقت هو الوعاء الذي يضم أنشطتنا كافة ويتحكم بدرجة نجاحها وفشلها، فإن أهميته تكمن في هذا المجال، بمعنى أن التعامل مع الوقت بنوع من التغاضي أو الإهمال أو اللامبالاة سينم عن تعامل مماثل للوقت معنا، ولعلها معادلة واضحة النتائج تلك التي تقول “كلما تعاملت مع الوقت بدقة واحترام سوف تتقدم خطوة إلى أمام” والعكس يصح بطبيعة الحال، لهذا يردد أكثرنا القول المأثور الذي ينص على أن “الوقت كالسيف ذي حدين فإن لم تقطعه قطعك” بكلمة أخرى إذا لم تحترم الوقت فلن يحترمك بالمقابل، ولعلنا نعرف تماماً ما هي النتائج التي ستتمخض عن ذلك.
إن الأمم أو الشعوب أو الأفراد الذي لا يتعاملون مع الوقت باحترام فإن النتيجة الواضحة هي الفوضى والتخلف عن الركب والعيش بصور عشوائية لا تمت لروح العصر بصلة، إذ سنرى التخبّط في السلوك وفي الفكر أيضاً شاخصين في الأنشطة المتنوعة للفرد أو المجتمع، وستضيع الفرص المتتالية التي قد تتوفر للإنسان كي ينهض بواقعه الفردي والجماعي في آن واحد.
والأخطر في هذا السياق الخاطئ هو توريث هذه الظاهرة إلى الخَلَف، بمعنى أن الابن الذي يفتح عينيه على أب لا يحترم الوقت ويتخذ من اللامبالاة حالة ثابتة للتعامل معه، فإن هذا الابن سيشبُّ على هذا التعامل الخاطئ وسوف يورّثه لمن يخلفه فيما بعد وهكذا ستصبح هذه الظاهرة منظومة حياة تؤطر وتحتوي أنشطة الفرد والمجتمع بصورة عامة وستلحق به ضرراً فادحاً في إضاعة فرص التطور والتقدم.
ولعل المواعيد واحترام مواقيتها واحدة من العلامات الهامة في هذا المجال، فكلما كان الإنسان ملتزماً من هذه الناحية فإن هذا الأمر سيكون دليلاً على وعيه وعمق ثقافته وصحة سلوكه وأفكاره أيضاً، والعكس يصح تماماً ولسنا بحاجة إلى شرح ذلك، ولعلنا نتداول في كثير من الأحيان بعض الأمثلة التي تُضرب على الشعوب ومدى التزامها واحترامها للموعد، كما يُقال عادة “إن فلاناً إنجليزي في موعده” بمعنى أن الانجليز يحترمون المواعيد ويلتزمون بمواقيتها وهذا دليل على وعيهم العالي بأهمية الوقت في صنع الحياة المعاصرة والمتطورة.
وختاماً يمكن القول بأن التقدمَ والتحضرَ والتمدنَ للأمم والشعوب مسائل لا تحققها الأموالُ ولا تبلغها الثرواتُ الطبيعيةُ وإنما تحققها منظومةُ القيمِ الذائعة والشائعة في المجتمع من قاعدتِه إلى قمتِه، ولعل من أهم تلك القيم هي: تقديس الوقت وتقديرَه واحترامَه وتأسيسَ كل أَنشطةِ الإنسان والمؤسساتِ والمجتمعِ بأسرِه على أساسِ أُطرٍ زمنيةٍ تحترم الوقت كاحترام المؤمنين للعقائدِ.. فهل نجعل احترام الوقت ثقافة شائعة لدينا جميعاً, وقيمة نؤمن بها وتوجه مسارنا نحو التقدم والنهوض في مختلف جوانب حياتنا..؟
(*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.