ما يقوم به بعض أفراد القبائل في مأرب يستدعي تداعي عقلاء اليمن وشرفائه وأحزابه وكل شرائحه الاجتماعية ليجتمعوا على كلمة سواء تجرّم كل من يقوم بالاعتداء على أبراج الكهرباء، بل يجب أن يتفق الجميع على إقامة حد الله فيهم (حد الحرابة)، وذلك أبسط ما يمكن أن يقوم به عقلاء وشرفاء اليمن. فما يقوم به بعض أفراد القبائل جرم وإرهاب وقطع لأرزاق الناس بل قتل لبعض الناس بطريقة أو بأخرى، وكأنهم لا يدركون بأن (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). من يمارس تلك الاعتداءات بكل تأكيد تخلى عن قيم الإسلام فضلاً عن قيم الإنسانية، ولست أدري ماذا يستحق من وصف سيء لممارسته تلك الجرائم المتعاقبة؟ فبمجرد إصلاح الخلل الناتج عن جرمهم الأول، يعودون من جديد، وكأن الكهرباء رجس من عمل الشيطان ينبغي أن لا تضيء اليمن. قبائل مأرب التي عُرف عنها المروءة والشهامة وكرم الأخلاق وغيرها من السوالف والأعراف والتقاليد التي يتباهون بها لا ندري أين ذهبت واختزلت؟ صحيح بأن (كل نفس بما كسبت رهينة)، ولكن بالمقابل هناك مسؤولية يتحملها المجتمع بأسره؛ فليست الجهات الأمنية وحدها من تتحمل، وإن كنا ندرك أنها مسؤولة بشكل أكبر من المجتمع الذي تتآكل قيمه يوماً بعد يوم، فللجهات المجتمعية في أي مكان كان في العالم أمانة ومسؤولية عظيمة لا يمكن تجاهلها، أم أن القبائل تتداعى لنصرة بنيها وتقف إلى جانبه في الخير والشر، وحينما تتعلق المناصرة بقضية هامة جداً وتهم الشعب بأكمله تتخلى تلك القبائل عن دورها، فهذا لا يمكن قبوله؛ لأنه نوع من خيانة الأمانة والتخلي عن القيم والأصالة، بل إنه نوع من التطفيف المحرم شرعاً، فكيف تناصر قريبك في الحق مثلاً، وتتخلى عن مناصرة أي شخص كان في مسألة أكثر أهمية من مسألة مناصرة قريبك؟. ومهما حاولنا أن نقنع أنفسنا مرة تلو أخرى بحججهم الواهية عن أن ما يقوم به أفراد لا يمثلون أحداً، فحينما يتعدى الأمر إلى أن يموت أناس بسبب انطفاء الكهرباء وتقطع أرزاق الناس وتغرق محافظات بأكملها في الظلام فهذه جرائم جسيمة ينبغي لقبائل مأرب أن تقوم بواجبها الإنساني والتاريخي عاجلاً غير آجل؛ إذ لا يمكن استيعاب مبرراتهم التي يقدمونها. فالتاريخ هو من يسجل كل شيء، وباعتقادي وإن قسوت عليهم لكنها الحقيقة المرة فأظن أن التاريخ سيسجل قبائل مأرب في أسود صفحاته، كما ذكر القرآن عن قبائل مأرب قديماً حينما بطروا النعمة وكفروا بها فقالوا: (ربنا باعد بين أسفارنا)، فكان الجزاء المستحق (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق)... إلى آخر ما ذكره القرآن عنهم. وهاهم اليوم يكررون شيئاً من أعمال الماضي التي عاقبهم الله بها، ولازالت ثقتي بالله عظيمة من أن عقاباً ربانياً سيحل بهم عاجلاً أو آجلاً، فربك (لا يعزب عنه مثقال ذرة)، فما بالنا باعتداءات شبه يومية على أبراج الكهرباء؟. لو يقوم أهل مأرب بقتلنا عبر القنص المباشر أهون علينا من قتلهم لأنفسنا وحياتنا مرات عديدة، ناشدنا فيكم كل معاني الرجولة والإباء والشهامة، لكن: (لقد أسمعت من ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي)، بحت حناجر اليمنيين وهم يناشدونكم. وأخيراً سمعت ورأيت نساءنا يبعثن بمناشدات عاجلة إليكم علها توقض بقايا ضمير أو بقية باقية لأعراف وتقاليد كانت يوماً ما تدب بين رجالاتكم، وأظنها اليوم قد بيعت (بثمن بخس دراهم معدودة)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل عليكم. ويبدو بأن مناشدات النساء هي الأخرى ظلت الطريق أو أنهت ما تبقى من القيم والأخلاق، الجميع يدرك بأن الدولة هي المسؤول الأول والأخير عن توفير الكهرباء وحمايتها، مهما كلفها ذلك من ثمن. وقد يقول أحد أبناء الجدعان أو غيرها من القبائل: قسوت علينا كثيراً، ولابد أن نسمعك مبرراتنا، لكني أكرر مراراً أن مبرراتكم لن تصمد أمام سيل جارف من التساؤلات المتعددة عن دوركم وقيمكم وأخلاقكم وأسلافكم. ونحن إذ نثمن موقف الشيخ ربيش بن كعلان، ونقدر ذلك منه، لكن هذا وحده لا يكفي، ولابد أن تنتقلوا إلى مربع العمل ووضع حد لمن يسيئون لكم وللتاريخ، فليتداعى رجالكم وأحراركم لموقف يذكره التاريخ لكم ويشرفكم به، ولو اقتضى الحال أن تقدموا أرواحكم فداء لهذه المهمة، وإن تخوفتم على أرواحكم وجبنتم عنا فأرواحنا قرابين رخيصة لخدمة الوطن أرضاً وإنساناً.