يقدم رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة خطاباً مخالفاً لرؤساء الحكومات السابقة الذين كانوا يبدون مجرد دمى تُعدُ لها الخطب فيقرأونها دون تأثير ولا تأثر. كما يقدم نموذجاً مختلفاً عن العنجهية والسباب والتفاخر لا يشيع العنف أو الشقاق. يجهش باسندوة بالبكاء؛ لأنه يحب وطنه، وبحسب الزميل حافظ البكاري: “من منا لا يرى حال اليمن وإلى أين وصل ولا يشعر بالبكاء”، وهذا ليس غريباً على من هم أمثاله؛ فقد أجهش مسؤولون كثيرون على بلدانهم؛ لأنهم يشعرون بالمسؤولية تجاهها. أتذكر كيف أجهش رئيس شركة تويوتا اليابانية في 2010 أمام الكونجرس الأمريكي وهو يدلي بشهادته حول مليون سيارة سحبت من الأسواق العالمية؛ بسبب خطأ مصنعي وعدم وجود مكابح لها، وأشار المسؤول إلى أنه يخشى على الروح المعنوية للأمة من الهزيمة، فتويوتا رمز وطني بالنسبة لليابانيين. هكذا كان باسندوة يتحدث ويقول: عندما أرى الدول الأخرى أشعر بتحسر على بلدي، متمنياً أن يكون اليمن كتركيا وماليزيا. أسوأ ما كان النظام السابق يفعله هو الاستخفاف بالشعب والاعتقاد بالقدرة على الإفلات منه بالخطابات الرنانة وتزوير الأرقام، وتسخير الإعلام لصالحه لا لصالح الشعب والأناشيد الوطنية، والهنجمة ودغدغة المشاعر، لكن غباءه أودى به. لقد كان كل شيء ينهار فيما تمعن الحكومات بتزييف وعي الشعب والاستقواء عليه بالسلطة والقوة والمال والإعلام. لا أدري متى وفي أية لحظة سينسى الحكام أنهم جاءوا من أجل إنقاذ اليمن وتطويرها لا من أجلهم، هذا أمر وارد طالما لم يكن لدينا خطة نقوم بالعمل عليها من أجل إيجاد مؤسسات لا تسمح للأشخاص بالتحول إلى ملاك للوظيفة العامة وليسوا مجرد موظفين. حتى الآن خطاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لابد أن يتم تحويله إلى خطط لتنفيذها على كل المستويات. سمعت ياسين سعيد نعمان قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني يتحدث قائلاً: “لدينا خطة”، ولم يحدد نعمان خطة لماذا بالضبط هل هي سياسية أم اقتصادية؟.. لكني أعرف أنه عرف من أين تؤكل الكتف “الخطة”؟. تحدث رئيس الجمهورية هادي في خطاب التنصيب بمجلس النواب بمشاكل عدة، وتحدث الرئيس عن خطة للبدء بحل المشكلات، مركزاً على الاقتصاد، وهو في اعتقادي الجانب الأهم وأول الأولويات الراهنة. مع هذا التفاؤل كله أرى في الفترة الأخيرة تراجعاً، لقد انصرف الخطاب إلى أشياء بقدر أهميتها لن تكون أهم من الاقتصاد الذي يمس حياة الناس وقوتهم وسعادتهم. لدينا في اليمن مشكلات اقتصادية كبيرة يجب التركيز عليها وإصلاحها؛ لأن الاقتصاد هو العامل الرئيس للقضاء على البطالة والفقر والمرض والإرهاب، وحل المشكلات الأخرى التي أنتجتها سياسات سابقة. ليكن مهمة الرئيس والحكومة التركيز على الاقتصاد والارتقاء بمستوى معيشة الفرد اليمني من وإلى الأفضل من خلال خطط استراتيجية لا تكتفي بإدارة الشؤون اليومية فقط. ثم يأتي بالتزامن مع ذلك العمل على إعادة هيكلة الجيش ليكون حامياً للشعب لا للسلطة، وتطوير الإعلام الرسمي ليكون لسان حال الشعب لا الحكومة، وإصلاح القضاء بما يساعد في تسهيل حياة الناس، وإعمال القانون. نحن اليوم أمام 4 ملايين جائع ونصف مليون طفل مصابون بسوء التغذية، ونسب مخيفة من الفقر والبطالة، وتردي الخدمات، وتحذيرات من أن يتحول اليمن إلى صومال آخر بسبب المجاعة. ما يقارب خمسة أشهر مضت.. هل أصبحت معيشة الناس على الهامش..؟ عجبي!