لا يصدق أي عاقل إن أحفاد من وصفهم نبي الرحمة والسلام بالإيمان والحكمة لم يتعلموا حتى الآن أبجديات وآداب الحوار وأهميته وبلغت “الأنا” قمتها وأصبحت عند البعض إلهاً يعبد من دون الله. فلا نستغرب قبل بدء الحوار الوطني المرتقب في اليمن أن نجد أطرافاً تشترط ونجد طرفاً آخر انسحب وثالثاً طالب بنتائج الحوار مقدما وآخر يعمل بكل ما أوتي من قوة بتوسيع مناطق سيطرته ونفوذه اعتقادا منه إن ذلك سوف يجعل موقفه أقوى على طاولة الحوار ونسي أن طاولة الحوار لا تعرف إلا المنطق والحجة. من اجل حوار وطني ناجح يجب أن تتحقق شروط أساسية ومسلمات يؤمن الجميع بها أفرادا وجماعات وأحزاباً ونخباً سياسية أهمها الاعتراف بوجود الآخر وحقه في تبني وجه نظر مخالفه مادامت لا تنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة أو تستهدف العقد والنسيج الاجتماعي أو تهدد أمن واستقرار ووحدة الوطن. إن أي حوار إذا كان من اجل الوطن وليس من اجل أشخاص فهو مؤهل للنجاح لأننا نعتقد حتى الآن إن أي يمني لن يفرط في الوطن مهما بلغت الخلافات بينه وبين الآخرين وهذا أملنا في جميع القوى والأحزاب السياسية في اليمن وأي حوار يتم تحت ضغوط وعدم قناعة من أطرافه وعدم الإيمان المطلق من المتحاورين ومن يمثلونهم بأن الحوار هو الطريق الوحيد والمسموح السير فيه لإيصال سفينة الوطن إلى بر الأمان فإنه حوار مكتوب له الفشل قبل أن يبدأ. إن أي حوار وقبل أن يبدأ يجب أن تكون له محددات ومحاور أساسية وهيئة نزيهة ومدربة ومحايدة ومقبولة من جميع أطراف الحوار لإدارة جلسات الحوار وقنوات رسمية وعلنية للتواصل بين أطراف الحوار وبينهم وبين من يمثلونهم وتوفر القناعة الكاملة من جميع أطراف الحوار، أن زمن الهمس في الغرف المغلقة قد انتهى وزمن “البرزات” وعقلية التقاسم والشخصنه قد ولت إلى غير رجعه ومن شاهد المناظرة المباشرة على قنوات التلفزة الفضائية بين المرشحين المحتملين للرئاسة في جمهورية مصر العربية قبل أيام السيد عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح استبشر خيرا وتمنى أن نشاهد مثل هذه المناظرات الحضارية في اليمن مادام الهدف منها خدمة الوطن. إن أي حوار وطني قادم يجب أن تتم بلورة نتائجه إلى خطوط عريضة لكل شرائح المجتمع , للحاكم والمحكوم لأنها سوف تمثل حجر الأساس لما بعدها من حيث تحديد ملامح الدولة المدنية المنشودة من جميع القوى الخيرة في المجتمع وعقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتكريس ثقافة التسامح وطي صفحة الماضي وتوجيه جميع شرائح الوطن بما فيها شريحة الشباب نحو ميادين العمل والإنتاج والإبداع ونكاد نجزم إن حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي وصل إليها الجميع أفرادا وجماعات وأحزاباً سياسية سببه تعطيل القدرات وهشاشة البنية الاجتماعية والمؤسسية واعتماد الشخصنة في إدارة المؤسسات والمصالح الحكومية وغياب ثقافة الحوار.. نتمنى أن لا تكون جلسات الحوار الوطني المرتقبة هي جلسات للعراك السياسي واستعراض عضلات القوى والأحزاب السياسية في وجه بعضها البعض وان تكون إحدى ثمارها إزالة المتارس من العقول والقلوب قبل الاتفاق والبدء في إزالة المتارس الخرسانية والترابية من الشوارع والطرقات.. إن أي طرف يسبق الحوار بشروط ومطالب تعجيزية من شأنها تعقيد عملية التحضير والتهيئة لعملية الحوار هو طرف ضعيف وغير واثق من نفسه ولا بأس أن تعبر كل الأطراف والأحزاب السياسية عن رؤيتها وتحدد أولوياتها وتشارك في عملية التهيئة للحوار بعد الرجوع طبعا إلى قواعدها وعدم ممارسة الوصاية الفكرية والحزبية عليهم وعلى الجماعات والأحزاب التقليدية تجديد وتحديث قياداتها العتيقة ورجال الصف الأول فيها بتصعيد كوادر شبابية مؤهلة ونزيهة ومنفتحة على الآخر تحمل هموم وطموحات أكبر شريحة في المجتمع وهي شريحة الشباب وتكون كذلك قادرة على المشاركة في جلسات الحوار الوطني القادمة بصوره فاعلة عندها نضمن الحصول على حوار وطني كامل الدسم . وأخير اختم بتعريفات متشائمة لمعنى الحوار اقتبستها من صفحة احد الزملاء على الفيسبوك والتي أتمنى أن لا تنطبق على أي حوار وطني قادم في اليمن وهي : الحوار سياسيا : التقاسم , القسمة , التقسيم , للحصول على الغنائم . الحوار قبليا : مقيل , محضر , عدال , تحكيم , للخروج بأحكام تقوي سلطة الشيخ أمام الرعية . الحوار عسكريا: هدرة , كلام «فاضي» , فرغة , فالحكم بيد من يملك القوة ومن يقرر السلم والحرب . الحوار شعبيا :لقاء عبثي بين أطراف متصارعة لا معنى لإجرائه إلا لالتقاط الصور ولا نتائج ترجى منه. ولو تحققت مثل هذه التعريفات للحوار لا قدّر الله فلن يكون هناك حوار وطني كامل الدسم أو حتى قليل الدسم ولكن مزيداً من التشظي والانقسام أملنا كبير في الجميع .