يعتقد بعض المتنفذين أننا مازلنا نعيش الزمن أو العصر الذي يجعلنا نرى فيه الحقائق بعيونهم لا بأعيننا مع أنهم يدركون أننا ولله الحمد تجاوزنا ذلك وخطونا بفضل الله ثم بفضل ثورتنا وانتفاضتنا ووحدتنا والديمقراطية التي انتهجتها اليمن بخطوات حثيثة ورائدة نحو مستقبل زاهر في النمو والحرية والديمقراطية وبمباركة العالم جعلتنا اليوم شركاء في الرؤى ووضع القرار، ومكنتنا الثورة والوحدة والديمقراطية من أشياء كثيرة غير ثقافة الرأي الواحد من الإدلاء بآرائنا بكل حرية وصراحة وبما يمليه علينا ضمائرنا لا كما يمليه علينا الآخرون كحزب هذا المسئول أو ذاك.. إن مثل هؤلاء الذين يملؤهم الوهم يرون أنه ينبغي علينا أن نتشكل بآرائنا ومواقفنا وفقاً لما يريدونه هم ولم يدركوا بعد هذه الحقائق ولم يستوعبوا الدرس والعبر من التاريخ ومما حدث ويحدث اليوم أن هذه فرصة حقيقية لهم للعودة إلى جادة الصواب عن غيّهم وليكونوا جزءاً متفاعلاً من نسيج هذا المجتمع، لقد تولّد لدى هؤلاء الفاسدين والمتنفذين خلط كبير بين كل ما هو مهني وبين ما هو شخصي طالما أنهم يريدون كل مؤسسة عامة أو مختلطة أو قطاع أو إدارة عامة يرأسونها أن تكون جزءاً من أملاكهم الشخصية. إن هذه محاولة ورغبة كامنة في النفس لاستمرار حالة الفوضى والفساد والهبر من المال العام وغيره التي تجعل في نفوسهم حاجة لاستغلال مراكزهم ومناصبهم، وليس جرماً يعاقبون عليه، إنه لأمر محزن ألا يدرك هؤلاء قيمة النقد وهم بذلك يرون أن كل رأي يعارض آراءهم وأهواءهم الشخصية خارج عن العرف وبحث عن الظهور، ويرون أن تلك القواعد المسلكية هي التي يجب أن تشيع بين أفراد المجتمع اليمني.. وهذه هي ثقافة متخلفة ترى أن كل نقد يوجه لها فعل مشين ومن عمل الشيطان ويعطي أيضاً انطباعاً باليأس والإحباط للهمم والعزائم وتهكم شخصي مكشوف لهم، وهذه بلا شك هي ثقافة تكرس الحقد والكراهية، وتعاكس كل ما تسعى اليمن إلى تحقيقه من انفتاح اقتصادي ومناخ متعدد الرؤى فهؤلاء لايزالون يعيشون انغلاقاً على الذات ولا يرون أبداً أن هناك أحداً يحق له أن ينتقد أداءهم أو يشاركهم في الرأي. لعل ثقافة تقبل كل منا للآخر صعبة خصوصاً على أولئك الذين لم تمنحهم خبرتهم في الحياة فرصة ليروا النور في الآخر شريكاً ومنادياً معهم في وطن واحد وطن 22 مايو 1990م، وهو ما جعلهم يعتقدون ويفكرون أنه عندما يحرك الواحد منا شفتيه أنه قد تجاوز حدود المكان والزمان التي رسموها في أذهانهم، فهم يؤمنون أن عدم الحديث من حسن الأدب، بل ويرفعون شعار الإنصات والسكوت من ذهب، طالما أنهم قد تربعوا ردحاً من الزمن على كرسي المسئولية، إنهم اليوم يحيطون أنفسهم بسياج وهمي يضخم الذات ويشعرهم بأن لهم حق الحكم علينا وتصنيفنا إلى محاور خير وشر، فتتولد لديهم قناعات أن من حقهم مصادرة آرائنا وحقوقنا سواء في مؤسساتنا الوطنية أو في أوساط المجتمع. لاشك أن البعض منا قد عانى كثيراً من ذلك التمييز والظلم في مقر العمل وهناك من لايزالون حتى اليوم يعتقدون أنهم وجدوا ليبقوا وأن البلد لم تلد غيرهم، غير أنني اليوم لا أجد غضاضة طرف أن أكون في مرمى البعض منهم طالما يشعرهم ذلك ببعض الراحة ولذة الظلم والطغيان، فهذا حق مكفول لهم ولا يمكنني الاعتراض عليه وإن كنت أتمنى أن يكون قولهم في حدود المهنية وأن لا ينصبوا أنفسهم أوصياء على النوايا وحكاماً على النفوس، ومع ذلك فإنني لا أقبل أن أكمم أفواه الآخرين كما أني لا أقبل أن يفرض عليّ أحد إرادته أو أن يساومني إلا في حدود القانون والدستور والأنظمة، ولأني ابن هذا الوطن اليمني تهمني مصلحته ومستقبله مثلي مثل أي مواطن شريف يحب بلاده، فإنني أجد أنه من حقي أن أمارس إبداء الرأي ولعل هذا ما لم يعه بعض المتنفذين والفاسدين الذين مازالوا يعيشون عصر الصكوك الملكية والذين مازالوا حتى اليوم يعتقدون أن من حقهم الانفراد بالرأي المخالف للمهنية وللأنظمة والقوانين في العمل دون أن يحاسبهم أحد على أنني لا أعصم نفسي من الخطأ، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وهي قاعدة يعيها كل من يمارس حق الرأي والرأي الآخر فهو المناخ المتعدد الرؤى والذي ينبغي ونتمنى أن يسود في كل مؤسساتنا الوطنية العامة والخاصة وفي كل أوساط المجتمع اليمني.