إن أهم العقبات الكأداء والصعوبات المؤرقة التي تقف كالجبال حائلاً دون الانطلاق بالسرعة المطلوبة تكمن في تربع مشكلة القات فوق رؤوسنا كأنها هم ثقيل لا يغادر مكانه ولا يبرح موطنه، ففي الوقت الذي يحتاج فيه المسئولون الكبار والصغار إلى كل ذرة تفكير في الطريق الصحيح لإحداث تغيير، فيذهبون للتفتيش عن هذه الذرات في عقولهم، فيجدون المخ الذي هو موطن العقل مشغولاً بذرات تفكير “مزيفة” غير تلك الذرات الطبيعية التي عادة تسكن خلايا المخ وتتصل بخلايا القلب بواسطة ممرات فسيولوجية وهرمونية أو كيميائية. إن خلايا المخ أو القلب هي خلايا مسالمة ودودة على قدر كبير من دماثة الأخلاق وحسن السيرة والسلوك تزداد قوة وتنظيماً وقدرة على الإبداع إذا نام صاحبها نوماً مريحاً خالياً من أسباب القلق والتوتر والمنغصات، كما أنها أي خلايا المخ والقلب تزداد إشراقاً ونشاطاً كلما تناول صاحبها غذاء مريحاً ومتوازناً في وجبة الصباح قبل ذهابه للعمل وبعد عودته منه بعد صلاة الظهر. لكن خلايا المخ والقلب مع الأسف الشديد لا تستطيع مقاومة دخول قوات المغول والتتار الوحشية القادمة من أوراق القات وعيدانه، لأن ذرات القات ليست ذرات حميدة ولا مسالمة ولا تعترف بحق الآخر ولا تقيد نفسها بواجبات، لذلك فهي تتصرف تصرف الغازي الأرعن الذي احتل خلايا المخ والقلب المسالمة وحوّل ذرات التفكير الطبيعية إلى ذرات ضعيفة مشوشة لا تملك أي قدر من المقاومة الفاعلة لتأثير ذرات القات السامة.. لهذه الأسباب وغيرها فإن المسئولين والموظفين الكبار أو الصغار في الوزارات ودواوينها ومكاتبها بما في ذلك مكاتب الإعلاميين الذين يسهرون معظم الليالي معتمدين على النشاط “المزيف” الذي تمدهم به أوراق القات التي تتحول إلى ذرات وحشية مسيطرة على خلايا القلب والدماغ وهم يظنون “أي الإعلاميون أو غير الإعلاميين” أنهم قد أبدعوا أيما إبداع فيما كتبوه أو قرروه، وذلك لأنهم في الأصل لم يجربوا العمل بعيداً عن تأثير القات الذي استطاع بمكره وغشه أن يزيف الواقع ويقنع الناس أنه مجرد “منشط” يساعد الناس على أن يسهروا لإنجاز مهماتهم وواجباتهم دون أن تكون له أية تأثيرات سلبية على تفكير الإنسان وقدراته الإبداعية، بل هناك من يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه لولا القات لما استطاع أن يكتب مقالاً أو يبدع قولاً أو عملاً.. أقول لأمثال هؤلاء بالله عليكم جربوا نوماً مريحاً كافياً وإفطاراً شهياً في الصباح الباكر ليس بالضرورة بعد صلاة الفجر، ثم جرب الكتابة وانظر إلى عجائب القلم خصوصاً إذا كنت موهوباً. أرجو ألا يرى بعض الإخوة الإعلاميين أن ما أطلبه هو عين المستحيل، لأنهم قد اعتادوا على السهر وتكيفت حياتهم على قبول ذرات القات الغازية لخلايا المخ والقلب أنها هي الأصل وما عداها هو الشاذ وغير الممكن.. أقول لهؤلاء الإخوة: تأكدوا أنكم تعملون اليوم بنصف إمكانياتكم العقلية والإبداعية وربما بأقل من النصف بسبب تعطيل ذرات القات لمواهبكم الطبيعية والحقيقية، وكذلك الأمر ينطبق على المسئولين والموظفين الذين يعتمدون على القات في تأديتهم لمهامهم الوظيفية أو التقنية والإبداعية. ولو كنت في مقام من يستطيع تقديم النصح للآخرين لقلت لمحافظ تعز الأستاذ شوقي أحمد هائل: لا تعتمد كثيراً في قراراتك على رأي أولئك الذين يستهلكون من القات أكثر مما تستهلكه مواشيهم من الحشيش، لأن تفكيرهم يكون مختلطاً ورؤيتهم مشوشة ولن يخفى عليك التعرف عليهم، فسمات الموالعة بادية على عيونهم وشفاههم ناهيك عن الشحوب والجفاف الناطق بحالهم. ولو كنت في مقام من يستطيع تقديم النصح للآخرين لاقترحت على الأخ رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» والإخوة أعضاء هيئة التحرير أن يعلنوا حالة الاستنفار في التأثير على الرأي العام خصوصاً فئة الشباب والأطفال بأن القات هو الأعظم خطراً على العقول وعلى المستقبل وعلى التنمية والإبداع. لقد صار القات اليوم من أكثر وسائل “الإلهاء” تأثيراً على الشباب وغيرهم، القات اليوم يكرس البلادة والدعممة واللامبالاة ليس فقط بين الشباب والفتيات وإنما بكل أسف هناك أيضاً إعلاميون مرموقون وكتاب وعلماء دين متهورون وأساتذة معاهد وجامعات ورجال أعمال، هناك أيضاً مسئولون كبار في الدولة ووجهاء وأصحاب رأي يبررون تعاطي القات لأسباب يذكرونها لا تقنع أحداً.. لقد حان الوقت أن تنشأ هيئة في اليمن للنظر في أن يبقى القات أو يبقى الناس.. أن يبقى القات أو يبقى المستقبل، أن ينتهي القات أو ينتهي الأمل في الإبداع والتنمية الحقيقية، يعلم اليوم كل الناس وفي مقدمتهم أصحاب مزارع القات أن قاتهم قد ترك الناس عطاشاً، وأنه قد قتل الزرع والأشجار المفيدة وقلّص زراعة الحبوب والخضروات والفواكه، ومع ذلك كله فإن أيدي أصحاب القات “على الزناد” لحماية القات. من منا لا يعلم أن القات قد أخذ على عاتقه أن يفسد على اليمنيين حياتهم، فإذا رقدوا لا يشعروا براحة النوم، وإذا استيقظوا يجدوا أنفسهم كسالى، خاملين، شهيتهم للطعام معدومة، لا يستقبلون الناس إلا بوجوه مكفهرة وسمات شاحبة وشفاه زرقاء، ومزاج عكر وخاطر مكدر من قلة النوم وقلة الشهية.. وبالرغم من هذه العاهات كلها وهذا النكد كله، فما أن يحين وقت القيلة في اليوم التالي حتى يشعر المولعي بأن ضروسه تحكه وأنيابه تأكله فإذا بنا نجده لا يسمع ولا يرى إلا بأنيابه وضروسه، فهل بعد ذلك كله يمكن التسامح مع القات؟! بالله قولوا لنا من أجل ماذا؟