ذات يوم سألني أحد أركان النظام السابق هل من يكتبون التاريخ اليوم جميعاً هم صادقون بمن فيهم المرحوم “؟؟؟” الذي أصدر كتابه، ذكرياته عن الثورة اليمنية الأم 26 سبتمبر 1962م ورحل عنا قبل أيام؟ بعفوية وبدون مقدمات قلت له: لا.. هؤلاء جميعاً يكذبون بمن فيهم هذا الكبير.. يومها التفت نحوي الجميع وكنا في جلسة إفطار في أحد المطاعم بالعاصمة صنعاء ولم يتكلم أحد بحرف بعد تلك الإجابة النارية والتي أغضبت كل من كان في المكان، والصمت ساد الموقف ولم نكمل بقية النقاش.. اليوم وأنا أتابع بعض كتيبات مراكز أبحاث وصحف ومجلات ومنشورات بعد عام ونيف من الثورة الشبابية السلمية كنت أتمنى ألا أقرأ وألا أشاهد ما شاهدت في تلك الكتيبات والمنشورات، كنت أتمنى أن أقرأ وقد تغير الحال وانتقل الناس إلى فكر جديد ولغة جديدة إلى فضاء رحب.. كنت أتمنى أن أقرأ، كل ما حدث دون زيادة أو نقصان، كنت أتمنى أن لا أجد من يحاول أن يحتكر حتى صوت ولون وزخم الثورة.. وكما يحدث اليوم لماذا؟ لأننا في عالم جديد وفي عصر جديد لا يقبل بأنصاف الحلول ولا يسمح بطمس جزء أو حتى قليل جداً من الحقائق.. نعم نحن في زمن متغير طارئ لكنه مستمر، لن تتوقف عجلة التغيير عند مربع حزب أو تنظيم أو في زاوية مقيل أو عند شيخ قبيلة أو في مدينة كبيرة أو قرية عظيمة.. الثورة فعل دائم ومستمر.. الثورة.. وطن يتحرك ويتجه صوب المستقبل لا يلتفت الأبناء إلى الخلف إطلاقاً يتجهون صوب المستقبل بوثوقية واقتدار، قرأت بعض المقالات الصحفية لزملاء ينتمون إلى تيارات متعددة لم أكن اتخيل أن ينسى الزملاء بعضهم أو يتجاهل الزميل آخر.. أحد الزملاء ممن ساهم في هذا الفعل الجديد أو ممن تم الاعتداء عليهم في أيام الثورة في شارع الزبيري، في هائل، في الدائري، في شارع التلفزيون، في شارع العدل، في شارع الزراعة، أو في أي مكان من العاصمة. وحزنت كثيراً جداً عندما قرأت إصدار أحد مراكز البحوث والدراسات كتاباً عرج الكتاب فيه على يوميات ثورة فبراير وبدقة متناهية لكننا لم نجد من التوثيق إلا ما يتعلق بأعضاء وكوادر الأحزاب، الموقعة على المبادرة الخليجية.. ياللسخافة والعجب وحالة التجمد والاستلاب التي مازالت في رؤوس هؤلاء، يا الله والجهل المركب الذي كرسه النظام السابق وغرسه في عقول وأدمغة هؤلاء الصغار بأفعالهم..! انتابني شعور غير طبيعي بالحسرة والألم، أليس هذا ما كنا نشكو منه وخرجنا من أجله إلى الشوارع؟ أليس هذا ما لم نكن نرضاه ونقاوم استمراريته؟ ألم يكن الإقصاء ومنطق الغلبة والتهميش فعلاً مداناً بكل المقاييس؟ ألم تكن الأمراض الاجتماعية في وطننا هي نتاج لتكريس مثل هذه الأفعال المشينة؟ ألم يكن سبب ظهور ما يسمى بالقضية الجنوبية هو منطق الغلبة والانقلاب على الشريك الآخر؟ ألم يكفر المواطنون في الجنوب بالوحدة! لأن هناك من جردهم من أدوات وأملاك وحقوق لا يمكن إهمالها؟ ما لكم كيف تحكمون؟ ألم يستوعب البعض الدرس فعلاً حتى الآن أم يحاول هؤلاء التغابي؟. بعد كل هذه التساؤلات وبالنظر إلى واقع الأمر ايقنت أننا لم نصل بعد إلى بر الأمان فما زال في الطريق أشواك وأحجار ومطبات كثيرة لابد من ضرورة إزالتها وبتر الأعضاء الفاسدة من الجسم لتعود الحياة إلى كل الجسد، وإن كلفنا ذلك المزيد من التضحيات.. إن القضية الجنوبية وحلها لن يكون حسب اعتقادي إلا بكشف كل الخيوط وعرض الحقائق كاملة وفك رموز وطلاسم يحاول البعض المتمصلح من أبناء الشمال والجنوب على حدٍ سواء الاستمرار في الخطأ وحجب عين الشمس بمنخل، وهذا من سابع المستحيلات، وكما نرى اليوم هناك من يحاول أن يحتكر الوطن والثورة وبجلباب حزب أو تنظيم أو لجنة أو قرية أو فئة.. الخ.. يا هؤلاء نحن في زمن الفضاء الحر والعالم أصبح قرية واحدة فمتى ستفهمون؟ [email protected] *رئيس تحرير صحيفة الشموع المستقلة اليمن - صنعاء