الشعر.. هذا الذنب الجميل .. كان فاتحة الجرح وبارق الرعشة لما هو آت .. وكنتُ النزف الآتي إليّ .. الذاهب مني .. وكانت حروفي موطني الممتدّ ما بين شجوني وآمالي .. آمنتُ به يوم كفر الأقربون بوجودي على صفحات أشجاني العارية من ظلال زيفهم.. وحملته بقلبي نبراساً يضيئ لي وبي عتمة الزمن الكئيب .. وفناراً يتلقفني كلما حاول اليأس إغراقي.. في زحمة اللاشيء ما أفتأ ألهج بذكره سراً .. وفي فراغ الشيء أجهر به لأُسمع الوجود ترنيمة روحي وأناغي بلابل بوحي ما تبقّى من العمر المسافر في لحظة الدهشة .. قصيدتي التي أرجوها لم أكتبها بعد ... لكنني أتهجّى حروفها بجدران قلبي .. وأرسم مواعيد صدح قوافيها لأجمل احتفاليةٍ لبلوغ مقام الأمان.. فالشاعر الحقيقي لا ينتظر كلمة ( أحسنت) .. أو تصفيقةً صاخبةً على جدران روحه المؤثثة.. الشاعر الحقيقي ينتظر تأثيث وطنه بأرواحٍ تدرك قيمة الإنتماء .. وقدرة الأرواح على التعايش مع أقصى حالات الوجع .. ويُسر الأحلام. وباعتقادي أن جميع البشر شعراء .. وإلا ما جدوى العيون وهي ترصد جميل ما تراه وقبحه! وما جدوى الآذان وهي تُصغي لشدو ما تلتقطه ونعيقه! وما جدوى كافة أجهزة الجسم وهي تصدحُ بتسابيحٍ فطريّةٍ لخالقها ! فقط هناك من وهبه الله نفحة ترجمة ذلك حرفاً ليبدد وحشة الآخرين عن مكنوناتهم ... ودليل ذلك ذهول من لا يكتبون لرصد مشاعرهم في ثنايا حروف من كتبوا.. والشعر هو كل الفصول (فلا حزن يدوم ولا سرورُ..) وهكذا هي الحياة تأخذ وتعطي .. لكننا نرصد في مجملها ما نشعر به ونعيشه وتُستهلك أرواحنا ثمناً للحظة حلمٍ تحقق أو يكاد .. لكنه العمر الكامل .. ورغم أننا نولي الشبكة العنكبوتية الكثير من الإهتمام كنافذة أضحت منبراً لحروفنا فذاكَ ما يعزز فتوحات الشاعر في أوطان أعماقه المحتلة بالتقاليد والعادات والنتوءات والانكسارات وكل ما يكمم فاه بوحه .. وحيث أن الشاعر نتاج تجارب حياة وتعتّق خيالاتٍ بداخله فهو دائم البحث عن إلهامٍ يدغدغ روحه ليتساقط ثمراً بقدر ما يستوعبه ويحياه .. لكنه بذات القدر في “ الانترنت مثلا”.. لا يبحث عن مدفأةٍ تُربك صقيع أحلامه بقدر ما يبحث عن مستقرّ أمان على ضفاف” وطن “ يمنحه هوية وهج حضوره ولوعة أشواقه .. ليتوالد فيه ومعه وبه حاضراً وغائباً بكل ما تعنيه قدسية الولادة وشغف المسيرة .. لا يفوتني هنا أن أعترف “بمرارة “ أنني توالدت شعراً وحرفاً في قبيلةٍ لا تؤمن بالشعر إلا ترفاً لا طائل منه ومن دهاليزه التي تؤدي في غالبها - بحسب نظرهم - إلى خلق التمرد على القبيلة وعلى شرف تقاليدها وكأن الشعر في غايته يحوم حول المرأة وعريها وتلويث مدركات البراءة. ومازال يحزّ في خافقي ذاك اليُتم الأدبيّ الذي عشتهُ ودفعتُ ثمن لياليه وصباحاته من احتراق ضلوعي وكمد خافقي وصبر أيامي .. والإنصهار مع المتغيرات التلقائية لكل سجون الآهة ورغبات الأفئدة “الفطريّة” للصراخ حرفاً بوجه صمت القبيلة وهي تحتفظ بعذريتها الهلامية في ثوبٍ أنصع ما فيه أن بقاياه من دم ذئب يوسف . سيدي الشعر .. يا بوحاً عاقب الدهرُ به صمتي ..إن كنتُ أعني لك شيئاً , فامنح شيئيِ أملاً ألتحف به ما تبقى من ثواني السَحَرْ .. وإن كنتُ لا أعني لك شيئاً فامنح اللاشيء كتاب مودةٍ.. وسطر أمانْ [email protected]