كما فتح التأويل أبواباً مغلقة لفهم النص القرآني الكريم، فإن هذا التأويل ينحرف أحياناً عن مساره الصحيح ليفتح أبواب جهنم للأشقياء الذين ضلوا وأضلوا. إن من آيات القرآن ما تحض المسلم على الجهاد في سبيل الله، بل هي آيات كثر تحض على نصرة الحق، والاستشهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا. ولكن كيف ينبغي أن يقرأ المسلم آيات الجهاد، وقد ورد معظمها بصيغة الأمر؟.. وبداية فعلى المسلم أن يحصل على بعض معرفة دينية بسيطة ليلاحظ أن فعل الأمر في القرآن أو السنة ليس أمراً بإطلاقه، فهناك أمر للوجوب وأمر للندب.. إلخ، فإذا قرأنا قوله تعالى بخصوص الطعام والشراب في رمضان، فلابد أن نعلم سبب النزول وفقه الآية في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)، فلا يعني وجوب الأكل والشرب هنا والاستمرار في الطعام والشراب، وإنما يعني إباحة الطعام والشراب من المغرب حتى وقت الفجر، وهكذا.. وإذا قرأ المسلم قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم -(وجدتموهم) - فمن هم هؤلاء الذين يجب قتلهم؟ وفي أي سياق كان أمر قتالهم؟ وما سبب نزول هذه الآية..؟ ثم من هو الذي يحدد استحقاق القتل، هل هو الأمير أو المأمور؟ وهل (من جاء قتل)؟. إن الإنسان المسلم لابد أن يعلم أن آيات قتل المسلم واستباحة عرضه وماله لا تندرج ضمن تأويل النص، بل إن قاعدة شرعية ينبغي أن تفهم وهي: (درء الحدود بالشبهات)، وهو مما يدل قطعاً على تكريم الله للإنسان كافراً كان أو مسلماً، وأن هذا الدين الذي ارتضاه الخالق للناس كافة هو دين سماحة وعدل ومروءة. حدث ذات يوم أن خطيب جامع جاهلاً قام بقراءة حديث نبوي هو: (العهد بيننا وبينهم الصلاة) وحديث آخر: (لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس، التارك لدينه والمفارق للجماعة)، وكان له أخ يعمل في فرن خبازة، لا يستطيع أداء الصلاة جماعة، فبعد أن امتلأ قلبه خشوعاً وتأثر بخطيب المسجد الذي كان يحدث ويبكي على ضياع الإسلام، حمل خنجراً باتجاه أخيه ليقتله؛ لأنه مفارق للجماعة وتارك لدينه، قد آثر العمل على دين الله، ولكن الله سلم فلم يجد أخاه. وهناك أحداث أخرى تثبت (عقم) التأويل؛ إذ دمر السلفيون الجهاديون – كما يزعمون – آثاراً عريقة في أفغانستان؛ لأنها أصنام الكفار، مع أن صحابة كراماً وعلماء دين قد مروا على هذه الآثار من مئات السنين ولم ينالوا منها، بعد أن ثبت الإيمان في النفوس وخالطت بشاشته القلوب. والحاصل أن التأويل ليس للجهال وإنما هو للعلماء المجتهدين وتحتاج لقنوات تلفازية مستقلة لتقوم بالتوعية الإيمانية الحقة.