قلتها مراراً بعد أن أصبح بإمكاني أن أتذوق مرارة العادات والتقاليد والأعراف البالية بملعقة من ذهب ودون أن أكون مضطرة لإضافة نكهات قانونية باهتة ليس لها من الأمر شيء، قلتها مرة على صفحات “الجمهورية” وها أنا ذا أقولها من جديد حين كبرت وأصبح لكل شيء حولي معنى وصوت وصوره أخرى غير تلك التي كنت أراها وأنا صغيره! نعم كبرت كأي كائن يكبر ويشيخ وتنهار معالمه اليانعة، كبرت حين نسف هذا المجتمع مدينة أفلاطون التي كنت أحلم أن أجدها واقعاً تعيشه مدينتي، لا بل وطني بجهاته الأربعة، كبرت حين رأيت في هذا المجتمع ما يذهل الطفل ويشيب الصبي ويروع الشيخ، كبرت حين رأيت حجم الشراسة التي تغلف قلوب الناس، أذهلتني مخالب متوحشة تظهر عند البعض وتختفي عند الطلب، كبرت حين اكتشفت تلك اللعبة التي يلعبها الكبار ضد الصغار، وأدهشني أن تكون الأدوات والمفردات والغايات واحدة رغم اختلاف أصحابها في كل شيء، كل شيء، حتى في حب الوطن. قلتها مرة عن طفلةٍ في التاسعة وأدها والدها حين قبل تزويجها من رجلٍ في خمسينياته النتنة برغبة اغتيال البراءة من بابها الخلفي، فصرخت يومها على لسان تلك الطفلة، دعوني أعيش.. واليوم أصرخ على لسان كل امرأة تعيش متلفعة بثياب الستر فيأبى هذا المجتمع الوضيع إلا أن يهتك الستر ويمزق ثوب الحياء عنها في حلقة ترويض مقززة أكره أن استنبط غايتها ومعناها..! أتحدث عن جريمة تنتشر يوماً بعد يوم ضد هذا الكيان الضعيف الذي شرخت هيكله الغض قوانين الذكورة، وأسقطت جدرانه الشامخة نزعة الفحولة وأصبح وسيلة لا ندري لها غاية وخطة لا نعلم لها هدفاً، كيف تحول هذا المخلوق اللطيف إلى مجرد شريحة مخبرية تحتضن آلاف الفيروسات؟! من المسئول عن تلقيح هذه العقلية غير المكتملة بجرعة اللاوعي في زمن أصبح لقطعة الحديد الريبوتية ذاكرة واعية؟! هل هو القانون الذي نسي أن يطفئ الإشارة الخضراء ويشعل الحمراء أمام نزوات هؤلاء؟! هل هو البيت الذي لم يحتضن ويضم ويقبل ويحرص على هذه المضغة الجميلة المتحركة؟! هل هي المدرسة التي اكتفت أن تلقن ماجاء بين دفتي كتاب ونسيت أو تناست أن الواقع بحاجة لقراءة وأن كل طفل يجب أن يجيد قراءة مفردات هذا الواقع مهما كانت صعبة وغامضة؟! أين يكمن الخلل؟ أين يعيش الداء ولماذا استفحل بهذه القوة؟! لماذا أصبح من السهل أن يحصل أحدهم على عشاءٍ سمين بعد أن كان يبيت في وكره جائعاً؟ لا أتحدث عن نساء يفعلنها راضيات لأن مثل هؤلاء وباء يجب أن يباد ولأنهن كن سبباً في لعنة الغواية ودافعاً للأشرار حتى ينقضوا على البريئات من بنات آدم. قلتها بمرارة حين سمعت عن اغتصاب أكثر من طفله خلال فترةٍ وجيزة لم يكن مجتمعنا يشهد مثلها من قبل وبطريقة توحى بزوال القيم وتفشي الرذيلة وانعدام الرحمة والعودة إلى مربع الإنسان الأول صاحب العصر الحجري الذي عاش فترةٍ بهميه لا تنظمها قوانين ولا تشريعات بالرغم من أنني موقنة أن إنسان ذلك العصر لم يكن بهذا السوء أبداً وهو من أكل لحوم الحيوانات نيئة وارتدى جلودها نتنة وعاش في كهوف الجبال يبحث عن الدفء والطمأنينة. قلتها حين سمعت الكثير عن قانون يحمل تسعيرة خاصة وشفرة أكثر خصوصية حين يتعلق الأمر بجاني يملك النفوذ ومجني عليه لا يملك إلا أن يكون مفعولاً به، فإلى متى يبقى هؤلاء طلقاء شهواتهم ويبقى الضعفاء أسرى عفتهم وكبريائهم؟!!