قرأت للزميل علي مطهر العثربي مقالاً بعنوان «الفدرلة والاستعباد» يناقش فيه موضوع الفيدرالية، وكيف أن الفيدرالية تقود إلى الاستبداد والاستعباد، ومثل هذا الطرح يؤكد أمرين وهما: إما أن الرجل يعيش خارج الزمن أي في زمن الكهوف ولا يفهم ما معنى الفيدرالية ويكشف جهله، أو يعرف ولكنه يقصد من خلال طرحه مغالطة الناس والكذب على نفسه أو على ذقون الآخرين، وكأننا نعيش في اليمن خارج العصر، وزيادة على ذلك ينشر مثل هذا المقال في صحيفة (الجمهورية) التي تصدر من مدينة يمنية تزدهر فيها الثقافة السياسية إلى حد كبير دون غيرها من المدن اليمنية الأخرى. هذا الموضوع نشرته صحيفة (الجمهورية) بتاريخ 27 يوليو الماضي وأنا لم أقرأه إلا في وقت متأخر. والعثربي زميل دراسة في تحضير الدبلوم في الإعلام، ولكنه يمثل حالة استثنائية من مفردات نظام صالح السابق الذي يرى بأن كل شيء يرتكز على فهم الرئيس السابق (الزعيم).. وهو في مقاله يخلط بين الفيدرالية والانفصال. وهذا الخلط يعتبر أكبر عيب في التناول لقضايا سياسية معروفة للقاصي والداني، بل ودليل على أنه لم يفهم الفيدرالية بعد، فالفيدرالية هي مصطلح سياسي تعني «الدولة الاتحادية»، ومثل هذه الدولة تنتهج إدارة سياسية اتحادية تقود إلى دمج المجتمع من خلال دمج المصالح الاقتصادية وليس الانفصال، بل بالعكس يؤكد العديد من الباحثين سواء اليمنيين أو غيرهم بأن الفيدرالية هي أفضل من الوحدة المركزية التي يدعو إليها العثربي، ولو كانت الوحدة المركزية هي الأفضل لما حدث ما حدث في اليمن، ولما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من أوضاع اقتصادية واجتماعية وأخلاقية متردية. وكثير من المهتمين من السياسيين والمثقفين الآن بدأوا يبحثون عن طريق جديد لحفظ الوحدة اليمنية من التمزق، وبعد أن وصلت إلى شفير الهاوية، ويرون بأن الفيدرالية هي السبيل الوحيد لخروج اليمن من مأزق الوحدة المركزية. ونحن نعترف للعثربي بأن من حقه أن يدافع عن النظام الذي ضمن مصالحه ووفر له فرصة في الحصول على الدكتوراه وعلى المستوى المعيشي الذي وصل إليه وهو نظام الرئيس السابق علي صالح الذي هو مستفيد منه، لكن ليس من حقه أن يخوننا (بتشديد الواو) وأن يفرض علينا مصطلحات غريبة لا يفهمها غيره وهي غاية في السوء، فهو يتكلم عن القوى التقليدية، وهي في نظره المشترك كما يبدو أو الحزب الاشتراكي وبعض الأحزاب التي ترى في الفيدرالية المخرج الوحيد لحفظ وحدة اليمن. ويعتبر العثربي نظام علي صالح والقوى السياسية الملتفة حوله بأنها قوى سياسية غير تقليدية.. فإذا كان الرئيس السابق من القوى السياسية الحديثة، فماذا عمل لإخراج المجتمع من مستنقع التخلف والأزمات؟ وتؤكد الوثائق بأن علي صالح صعد إلى الحكم والمتوسط السنوي لدخل الفرد يصل إلى سبعمائة دولار.. وخرج من الحكم والمتوسط السنوي لدخل الفرد لا يصل إلى 300 دولار.. كما وصل إلى الحكم واليمن تتمتع بإدارة حديثة نسبياً وبنسبة معدل نمو سنوي يصل إلى 7 % وخرج من الحكم واليمن تتسيدها الإدارة القبلية المتخلفة ومعدل نمو سنوي لا يصل إلى 2 %، وهناك معدلات نمو سالبة في كثير من القطاعات الاقتصادية والإنتاجية.. وليس خفياً أن صالح وصل إلى الحكم ونسبة الفقر لا تتجاوز 15 %، وخرج من الحكم ونسبة الفقر تتجاوز ال 70 %. بالإضافة إلى أنه وصل إلى الحكم ونسبة البطالة لا تتجاوز ال10 % وخرج من الحكم والبطالة تتجاوز نسبة ال50 % . ولو كانت الفيدرالية شراً كما يصورها العثربي لما تمكنت الولاياتالمتحدة من القضاء على العنصرية وتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، وأن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم.. كما أن ألمانيا الاتحادية (الفيدرالية) استطاعت بواسطة هذه السياسة الوحدوية الحكيمة أن تعيد بناء ألمانيا بعد أن أصبحت مدنها عبارة عن خرائب، واقتصادها مدمر وحياتها عبارة عن قصص بائسة وآلام مفجعة، وقد أصبحت ألمانيا بفضل السياسة الاتحادية(الفيدرالية) أقوى دولة أوروبية من النواحي الاقتصادية والسياسية. انظروا إلى ما يقوله العثربي عن الفيدرالية في هذا المقطع من كلامه الذي أوردته صحيفة (الجمهورية) في عددها الصادر بتاريخ 27/7: ((الإشارة إلى فدرلة اليمن التي كنت قد تطرقت لها تعني المحاولات المستمرة التي يبذلها البعض من أجل تمزيق اليمن, وجعله كيانات صغيرة تأكل بعضها بعضاً بالحروب الداخلية, وتأتي هذه الفدرلة من خلال بعض «القوى التقليدية» التي تحمل مشاريع صغيرة تعبر عن النزعة العنصرية لدى تلك القوى التي عشقت استعباد الشعب)) .. ومثل هذا الكلام مردود عليه؛ فهو يفتقر إلى أبسط أسس المنهج العلمي في التحليل، إذ يرى بأن اللامركزية أو الفيدرالية هي السبب في تمزيق الأوطان، وأنا أطالبه بأن يعيد قراءة ميثاق حزبه المؤتمر الشعبي العام (الميثاق الوطني) الذي يؤكد في الحقائق التي أوردها في ديباجته بأن المركزية هي السبب الرئيس في تمزق اليمن في الفترات التاريخية التي كان يتوحد فيها. الأمر الثاني هو يقول بأن الفيدرلية تؤدي إلى الاستبداد والاستعباد، وأنا أدعوه إلى دراسة ما شاء من النظريات السياسية التي تعتبر الديمقراطية هي الطريقة المثلى لحكم الشعوب.. ففي سياق كلام الكثير من المنظرين للديمقراطية ينصحون بالنظام الفيدرالي أو النظام اللامركزي؛ لأن المركزية وفق نظرياتهم تقود إلى الاستبداد الذي يقود إلى نظام الاستعباد الذي تحدث عنه. أما النظام الفيدرالي أو الاتحادي بالعربي فإنه يتكامل مع النظام الديمقراطي ويتوافق معه،بل هو رديف له. هو يقول بأن «القوى التقليدية» التي يزعم بأنها تحمل مشاريع صغيرة وهو يقصد بها القوى السياسية الحديثة؛ لأن النظام العسكري البوليسي لعلي صالح هو في نظره الوحيد الذي يمثل القوى السياسية الحديثة.. حسنا أيها العثربي سأنقلك إلى ما قاله البردوني رحمه الله في آخر مقابلة له نشرتها صحيفة النداء اليمنية حول رؤيته للوحدة قبل وفاته.. عندما قال: بأن هناك قوى سياسية واجتماعية يعتبرون أنفسهم هم اليمنيون وما عداهم غير يمنيين، وحدد الخريطة الجغرافية لهذه القوى، حيث قال: «بأن هناك مارونية سياسية في اليمن تمتد من هضاب يريم حتى جبال مران في صعدة، وقال: بأن هؤلاء يعتبرون أنفسهم هم اليمنيون وما عداهم غير يمنيين كالمارونيين في لبنان الذين يعتبرون أنفسهم هم اللبنانيون وما عداهم غير لبنانيين»، ذلكم هو أعظم كاتب وأديب وشاعر يمني معاصر عرفه تاريخ اليمن الحديث.. إذاً فمن هم العنصريون؟.. هل هم أولئك الذين يدعون إلى المركزية باعتبارهم مسيطرين على المركز ومن حقهم هم وحدهم الحكم؟.. أم تلك القوى التي تدعو إلى الفيدرالية؟ لأن الفيدرالية هي المرادف للديمقراطية وحكم الشعب نفسه بنفسه وهي مفتاح الدولة المدنية الحديثة. أما «القوى الحديثة» الخاصة بالعثربي فهي وحدها التي مارست التمييز المناطقي والقبلي والمذهبي والعنصري واستخدمت «سياسة فرق تسد» بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ اليمن السياسي الحديث.. وهي وحدها المستبدة، فهي قوى عسكرية قبلية بوليسية حولت الحكم من نظام جمهوري عادل للشعب كله إلى نظام قبلي عائلي ظالم ينهب كل موارد الدولة المالية والناتج القومي لها ولا يساهم في إنتاجه، كما تصرف ويتصرف بأموال الشعب بشكل مريب بدون رقيب أو حسيب.