أخذ البخاخ الأسود، ومرَّ على لوحات “جدارية هاشم علي” لوحةً لوحة، ثم أخذ بتشويه وجوه الشخوص التي في الرسومات، وبعد أن انتهى كتب على إحدى المساحات اللونية البيت التالي: “إذا كان تركُ الدين يعني تقدماً.. فيا نفسُ موتي قبل أن تتقدمي”.. ثم أضاف في أحد الأعمدة العبارة الأثيرة بالنسبة لمثل هذه الجماعات: “موتوا قهراً ”..! السؤال البديهي: ما الذي كان يجري في عقل هذا الكائن وفي شعوره حينما كان يقوم بمثل هذا التصرُّف؟! وأيّ دم يجري في شرايينه؟! المؤكد أنهُ، وربما أنهم، كائنات عاطلة عن التفكير والإحساس والحياة والإنسانية، فليس معقولاً أن ثمة إنساناً يعرف الله حق معرفته، ويقوم بتشويه عمل فني وإبداعي وجمالي خلاَّق مثل هذا، قُضي فيه ما يقرب من ثلاثة أشهر من العمل الدؤوب والمتواصل، حتى خرج بهذه الصورة المدهشة والعبقرية! ثمّ ماذا يعني: “إذا كان ترك الدين يعني تقدماً.. فيا نفسُ موتي قبل أن تتقدمي؟!”.. إن هذا الكلام يعني بلغة مؤلفهِ وكاتبه أن الإسلام ضدّ التقدُّم.. وقياساً على ذلك فنحنُ ضدّ التقدُّم؟! فهل الإسلام ضد التقدُّم ومع التخلف مثلاً؟! يبدو أن هذا ما يعتقده أولئك الذين نظروا للإسلام وكأنه جاء ليعطيهم الفُرصة لصنع المشاكل وليس الحلول لخدمة البشرية.. وبدلاً من أن يفهموا أن الإسلام جاء ليُساعد الإنسانية على حل مشكلاتها وتجاوز ما تعيشه من تخلف وقهر وقُبح، فهموه – كما سوَّلت لهم ذائقتهم الميتة – باعتباره أداة بأيديهم ينغصون حياة الناس باسمها!!! إن هذه الكائنات بلا قضية، وعديمة المعنى، ولأنها كذلك، فهي تبحث لذواتها عن شرعية تثبت بها وجودها، فالجبان، والعاجِز، والبخيل، والشهواني، والتافه، كل هؤلاء بشر يريدون التكفير عن القبح والعجز الذي بداخلهم، والذي يمنعهم من أن يصبحوا محبوبين، فيلجأوا لتعويض الشعور بالنقص بالبحث عن جدوى لهم في الحياة عبر المُزايدة باسم الدين، وادعاء نصرته بممارسة أفعال قذرة وسخيفة؛ كالقيام بتشويه لوحة فنية، وهو عمل لن يقود في النهاية سوى إلى الإساءة لأنفسهم ولصورة الإسلام لدى الآخر.. خصوصاً وأن هؤلاء الأغبياء يجهلون أن مشروعاً كمشروع “تعز.. ألوان الحياة” تم تغطيته من قبل ناشطين أجانب ووسائل إعلام دولية، ومحلية أيضاً، باعتباره مشروعاً إبداعياً خلاقاً وحضارياً، وهُم بهذه الطريقة يسوقون للآخر بأن الإسلام دين ضدّ الجمال وضد الحياة وضد الذائقة، وأنه دينٌ خاصٌ بالموتى معنوياً وإنسانياً أمثال هؤلاء! ولهذا فمثل هذا العمل لن ينصر الإسلام في شيء، مثلما أنه لن يُساعد العراق على تجاوز مشاكله، ولن يُنهي الطائفية بين الشيعة والسُّنة، ولن ينقذ مُسلمي بورما، ولن يحرر فلسطين، ولن ينقذ اليمن من مجاعته المُحتملة، ولن يزيد من عدد المتحولين إلى الإسلام، وأمثال هؤلاء لن يكونوا أبطالاً، ولن يكسبوا محبة الله والناس..! هم في النهاية ليسوا أكثر من مجموعة من الكائنات الليلية الجبانة، التي تتسلل في الليل لتُمارس انحرافاتها على أجمل مشروع تشكيلي وفني ميداني رأيته، وهُم لن يستطيعوا – أبداً – أن يجعلوا من تعز وكراً كبيراً للتطرف ومُعاداة الجمال كما تسوِّل لهُم أنفسهم..! هذا الفعل يحتاج لإدانة واسعة، من شرائح المُجتمع المُختلفة، كما يحتاج إلى موقف جاد من جهتين، الأولى: مؤسسة الحُكم المحلي ممثلة بمُحافظ تعز، وذلك عبر التحقيق في هذا الموضوع وملاحقة الفاعلين قضائياً بتهمة التشويه المتعمد للمظهر الحضاري والبيئي للمدينة، والثاني المؤسسة الدينية وخطباء المساجد، الذين يجب عليهم أن يتخذوا موقفاً أخلاقياً ودينياً من مثل هذه التصرفات حتى يتضح للناس براءة الإسلام من مثل هذه التصرفات، وصمتنا عن هكذا جريمة ضد التحضر والمدنية هو إقرار غير مباشر منا وموافقة على هذه التصرفات! بقي أن أوجه رسالتي الأخيرة لفريق تعز ألوان الحياة: رضوان، مأمون، صادق، هيثم، مراد، فيصل، عزيز، عبد الغني، غدير، مها، مالك، منية، رينا، عايدة.. عليكم أن تصمدوا يا سفراء الحياة في وجه الموتى، وعليكم أن تستمروا وتدأبوا ونحنُ معكم بكل ما أوتينا من قُدرة، نعرف أن “إحياء الموتى” مهُمة صعبة، لكنها قضيتكم الأعظم.. وفقكم الله،، [email protected]