هذه هي العبارة التي استهل بها الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ حديثه إثر قيام البرلمان منذ أيام بانتخابه رئيساً جديداً لهذا البلد الذي عصفت به الحروب ودورات الاقتتال المتواصلة منذ مطلع تسعينيات القرن المنصرم, بل ويكاد لسان حال الأسرة الدولية يردد نفس العبارات تقديراً وتثميناً للشعب الصومالي ولمؤسسته التشريعية بهذا الانجاز غير المسبوق في التاريخ المعاصر لهذا البلد. خاصة أن مثل هذا الانتقال السلس للسلطة يرسي أسساً جديدة للدولة الصومالية وهي تودّع تلك المراحل المأساوية التي عصفت بها وتعيد إليها الثقة والتفاؤل بغد يبشر بالاستقرار الذي هو عماد أي بناء. وعليه، يجب ألا تنسينا لغة التفاؤل هذه إمكانية بروز تحديات إضافية وجديدة أمام هذا البلد أو إعادة إنتاج تلك التحديات التي لازمت انهيار الدولة، فضلاً عن الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي اكتوى بها أبناء الشعب الصومالي ودفعته الى الهروب صوب البحر على شكل جماعات طلباً للحد الأدنى من متطلبات الحياة، حتى وإن كان ثمن ذلك الموت غرقاً قبل الوصول إلى الضفة الأخرى. إن من أبرز التحديات الماثلة أمام الرئيس الصومالي الجديد تلك المتعلقة بانتشار الجماعات المسلحة المتدثرة زوراً وبهتاناً بالعباءة الإسلامية أحياناً وبالعباءة القبلية والطائفية والإثنية أحياناً أخرى، وكذلك تحديات الجماعات الإرهابية التي تسيطر على أجزاء من الشاطىء الصومالي وتمارس القرصنة، مهددة بذلك سلامة وأمن الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب في البحر الأحمر، إلى ما هنالك من تحديات تتعلق بغياب مشروعات البنية الأساسية والتمويلات اللازمة لتنفيذ مشروعات إنمائية تعيد الاستقرار مرة أخرى إلى هذا البلد. ربما كانت اليمن من أولى الدول التي تضررت بشكل مباشر جراء تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال الشقيق طيلة العقود المنصرمة -إلى جانب ما لديها من مشاكل- وذلك بفعل تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين إلى الشواطىء اليمنية، حيث وصلت التقديرات الأخيرة عن عدد هؤلاء في اليمن إلى أكثر من مليون لاجئ، حيث رتب هذه النزوح أعباء إضافية على كاهل الاقتصاد الوطني وساهم في خلق مشكلات اجتماعية وسكانية جديدة وطارئة على مجتمعنا، فضلاً عن تلك المشكلات الأمنية المرتبطة بانخراط مجموعات كبيرة من هؤلاء اللاجئين ضمن قوام الجماعات الإرهابية التي تمارس أعمال العنف وباتت خطراً حقيقياً على أمن واستقرار الكثير من المحافظات اليمنية، بل إن كل تلك الأعباء قد فرضت تحدياً إضافياً إلى تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي الذي يعيشه اليمن راهناً، وهو ما يقتضي بالضرورة أن تلحظ ذلك الأسرة الدولية وهي تتعامل مع متطلبات مسار التسوية والاستقرار في اليمن، خاصة ونحن على مشارف انعقاد مؤتمر أصدقاء اليمن في نيويورك أواخر سبتمبر الجاري الذي يفترض أن يركز في جدول أعماله على هذه الإشكالية التي لا يمكن فصلها عن الأزمة الراهنة التي يعيشها اليمن وعلى مستويات متعددة، لا يستبعد أن يكون هذا التواجد الإنساني نافذة لاستغلاله من قبل قوى إقليمية تحاول جاهدة زعزعة الأمن وتعطيل مسيرة التسوية القائمة راهناً لأجندات لا تخطئها الدلالة. نذكر ذلك ونحن نأمل بأن تكون عودة الحياة الطبيعية إلى الصومال في هذه المرحلة إيذاناً بعودة هذه الأعداد من اللاجئين إلى بلادهم ,إذ إن من شأن ذلك التخفيف على الدول المستضيفة ومنها اليمن بالطبع - كما أشرنا- والتي تعاني الأمرّين جراء تدفق هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين الصومال والأفارقة على حد سواء,وبالتالي فإن مطالبة اليمن للأسرة الدولية لا تقتصر فقط على تخصيص مساعدات تحمل تلك الأعباء ,بل إنه يأمل كثيراً بأن تستأنف دورة الحياة الطبيعية إلى الصومال وبأن تكون بداية حقيقية لعودة هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين واستقرارهم في أوطانهم، باعتبار أن ذلك هو الحل الناجع لما تعانيه اليمن جراء هذه المشكلة الإنسانية المتفاقمة .. وعندها فقط سيهتف اليمنيون للقيادة السياسية الصومالية الجديدة: لقد قمتم بعمل رائع حقا!!