كل الخلافات السياسية في هذا البلد وغيره من البلدان العربية والإسلامية يُراد لها أن تتحول إلى خلافات مذهبية بدرجة أساسية، لأنها أسوأ أنواع الخلافات وأخطرها على الإطلاق، ومن المؤسف حقاً أن الكثير من الخلافات السياسية والاقتصادية بين المسلمين تحولت في النهاية إلى طائفية ومذهبية، وحين لا يكون ذلك ممكناً فثمة خلافات مشابهة تحل محل الخلاف المذهبي. خلال العقود القليلة الماضية تصاعدت وتيرة المذهبية بين المسلمين، ووصلت في الوقت الراهن إلى درجة لم تُعد خافية، وبدأت الأمور تتجه نحو غربلة الشعوب العربية والإسلامية على أسس مذهبية خالصة، وترك الكثير من الناس الإيديولوجيات وعادوا للتمترس خلف المذاهب والتعصب لها، وحتى القومية العربية لم تستطع مجابهة النزعات المذهبية وكل القواسم لم تصمد أمام الانتماء المذهبي الديني، وصارت كل المواقف ترسوا في خاتمة المطاف على شط الانتماء المذهبي. صارت حكاية الشيعة والسنة هي الأكثر حضوراً وعلى هذا الأساس تُبنى الولاءات وتُرسم السياسات وتُتخذ المواقف، ولا يكاد يخلو بلد إسلامي من خلافات من هذا النوع، ومع الأيام يزداد وضوح هذه المشكلة وتزداد حدتها. الحقيقة لقد دق الغرب بين المسلمين إسفين المذهبية كخيار لإضعافهم وإشغالهم ببعضهم، ولعل الفترة الممتدة من سقوط بغداد بيد قوات التحالف الغربي عام 2003م وما تبع ذلك من أفعال وفتن جرى تقديمها بقالب مذهبي قد ساعد كثيراً في إذكاء نار المذهبية وإعادة الفرز على أسس شيعية سنية، وحين تذكر الإثنى عشرية تقابلها الوهابية، وفي حين كان العدوان على العراق وإسقاط الدولة هناك بفعل القوة العسكرية الأمريكية الغربية كانت ردود فعل العرب والمسلمين تجاه بعضهم، وكان العراق أول الضحايا حين قدم ملايين الضحايا على مذبح المذهبية وحدثت تصفيات مرعبة تجاوزت كل الثوابت والضوابط الدينية، وصار القتل بالهوية المذهبية تقرباً إلى الله، ثم جاءت عملية إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالكيفية التي جرت بها لتؤكد تأثير المذهبية وتُحدث شرخاً جديداً، وقد تعاطى الجميع مع عملية الإعدام بتوقيتها السيء على أنها انتقام مذهبي وعمل الغرب على تأكيد ذلك بصورة أو بأخرى ومهما يكن الأمر فقد قطع الخلاف المذهبي منذ ذلك الحين شوطاً للظهور وإعادة نبش القضايا الخلافية بين السُنة والشيعة، واختصرت أحداث العراق الزمن لتؤكد حقيقة الخلاف المذهبي وخطورته، ومنها تأكد للعالم أن المسلمين يمكنهم أن يتفانوا عن بكرة أبيهم لدواعٍ مذهبية ويمكنهم أن يتناسوا كل خلافاتهم مع غيرهم ويتفرغوا لبعضهم قتلاً وتدميراً. ما نراه اليوم على مستوى أقطار عدة ينبئ بمستقبل مشحون بالعدوان المذهبية، ويمكن أن يتطور الوضع إلى اقتتال داخلي بدوافع مذهبية ليأخذ بعد ذلك الطابع العام، حين يتدخل مناصرو كل مذهب من أقطار أخرى لنصرة مذهبهم في البلد الحرب. الوضع في اليمن من هذه الناحية أخطر من أماكن أخرى عديدة، ويلاحظ أن سباقاً نحو القوة وامتلاك السلاح ومد النفوذ يجري بصورة جلية فهل يعي أطراف السباق إلى أين ينتهي بنا الأمر؟!.