الثورة اليمنية لم تكن بطراً على حكم أسرة بيت “حميدالدين” أو بطراً على الاستعمار البريطاني في المحافظات الجنوبية.. بل كانت حاجة يمنية، وضرورة حياتية، وإنسانية.. وقد بدأت الثورة اليمنية عبارة عن مقاومة، وحركة وطنية معارضة للوجود البريطاني، وللحكم الأسري “الحميدي” بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها، ورحل الأتراك عن الشمال بينما بقي البريطانيون في عدن لتستمر المقاومة في عدن المقاومة الفكرية والثقافية، والحضارية للبريطانيين.. في الوقت الذي بدأت في الشمال حركة وطنية فكرية وثقافية، وأدبية ترفض انفراد الإمام يحيى حميدالدين بالحكم وقصر الحكم على نفسه وأسرته، ويرجع باليمن إلى أزمنة القهر والظلم والظلام والتخلف حتى تلك المؤسسات التي خلفها الأتراك، والتي كانت تحمل مظاهر الحضارة الحديثة قام بإغلاقها، وحرمان أبناء اليمن الإفادة منها.. وهو ما أدى إلى نشوء حركة وطنية من المفكرين والمثقفين والأدباء ورجال الدين ظهرت في ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت حركة فكرية ثقافية معارضة وتطالب بالإصلاح، وإقامة نظام إمامي دستوري. وحين لم تنجح الدعوة للإصلاح.. نشأت فكرة القيام بحركة تبعد الإمام يحيى.. وتقيم نظام إمامي دستوري، وحدث ذلك في شباط 1948م، بقتل الإمام يحيى، لكن الحركة لم تدم طويلاً حيث زحف أحمد يحيى حميدالدين إلى حجة واستنفر القبائل، وحرضهم على صنعاء وأباحها لهم.. فكان الهجوم على صنعاء وإسقاط الحركة وتم اقتياد قادتها من العلماء والمثقفين والأدباء والمفكرين ورجال الجيش إلى السجون، وإخراجهم بعد ذلك إلى ساحات الإعدامات ليقتل منهم نفراً كثيراً. هذه كانت مقدمات للثورة حيث تواصلت الحركة الوطنية للمعارضة، وازداد نشاطها بعد ثورة يوليو 1952م التي أدت إلى تبلور اليقين الثوري بدلاً من الإصلاح، وكانت الحركة الثانية في 1955م في تعز ضد الإمام أحمد حميدالدين، و لاستبداله بأخيه عبدالله إلا أن هذه الحركة لم تدم أسبوعاً لأن عوامل وظروف نجاحها لم تتوافر، وكان مصير رجالات الحركة السجون ثم الإعدامات بالسيف في تعز، وفي حجة بما فيهم إعدام عبدالله والعباس إخوة الإمام أحمد. ومع ذلك لم تخمد جذوة الحركة الوطنية للمعارضة فقد ظلت ناشطة من خلال حركات قبلية وكذا عسكرية، وطلابية.. في الوقت الذي كان فيه مجموعة من الضباط الشباب قد كونوا تنظيماً للضباط الأحرار على غرار الضباط الأحرار في مصر، وذلك لقيادة ثورة لا تستبدل نظام الإمام بإمام، ولكن ثورة يعلن معها النظام الجمهوري.. نظاماً جمهورياً حديثاً تطورياً نهضوياً يحرر اليمن من الاستبداد والاستعمار والتخلف.. فكانت ثورة ال26من سبتمبر 1962م.