الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر جاءت بإرادة شعبية مطلقة عبرت عن الرغبة الجماعية للشعب في التخلص من الفقر والمرض والجهل والاستعباد الذي عانى منه الشعب كافة دون استثناء، ولم تكن الانتفاضة الجماعية للشعب حالة عبثية أو حاجة ترفية أو محاكاة للغير، ولم يقُد هذه الثورة البائقون على النعمة ولم ينخرط في مسيرتها الثورية المنتفعون من الإمام أو الاستعمار، لأنهم اعتبروا الإمام أو الاستعمار ولي نعمتهم وظلوا على وفائهم وأمانتهم، ويراهنون على ولائهم للإمام والاستعمار، لأن النعمة منعتهم من التمرد وعليها وهي نعمة خاصة جداً لا تمثل عدداً في الشعب. إن ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر ثورة الشعب بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والثقافية، لأن الوضع الذي كان عليه الحال إبان الإمام والاستعمار من الجهل والمرض والفقر وامتهان آدمية الإنسان وانعدام أبسط وسائل الحياة التي تليق بالآدمية والإنسانية الدافع الوحيد الذي دفع اليمنيين كافة، باعتبار بقاء تلك الصورة الفاجعة لواقع الحياة اليمنية عاراً على اليمن واليمنيين كافة، خصوصاً أن اليمن بلد الحرية والمشاركة السياسية والتقدم الحضاري والإنساني منذ آلاف السنين، ولذلك كله قامت الثورة وحمل الشعب مشاعل الحرية في كل شبر من تراب اليمن وفي مختلف مكوناته الجغرافية. ولئن كانت الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر قد انطلقت من صميم الإرادة الكلية للشعب بهدف التخلص من واقع الحياة البائس، فإن ذلك الدافع كان إنسانياً بكل ما تحمله الكلمة من المعاني والدلالات الإنسانية، ثم إن ثورة سبتمبر وأكتوبر عامي 62 1963م، صنعت المنجزات وغيرت وجه الحياة وأحدثت نقلة نوعية في مختلف المجالات، فعندما قامت الثورة لم يكن المواطن يجد مدرسة أو مستشفى أو طريقاً أو وسيلة اتصال وكان الحرمان مخيماً على اليمن السعيد فحوله إلى بؤس وشقاء وجاءت الثورة لتعيد لليمن سعادته وألقه. إن المقارنة بين الأمس واليوم تعطي صورة واقعية لأسباب قيام ثورة سبتمبر واكتوبر وتردّ بجلاء على بوقة اليوم وإنكار خيرات الثورة اليمنية التي نحتفل اليوم بعيدها الخمسين واليمن واحد موحد وفي طريق النماء الشامل بإذن الله.