النظام السياسي هو وسيلة لتحرر الإنسان من ربقة التخلف وأشكال الظلم، وليس كياناً مقدساً يحرم المساس به بالنقد أو التقييم. بل إن النظام نفسه يجب أن يدعو إلى المصارحة والتصدي للأخطاء والشوائب التي تعلق به أو ببعض العناصر المسؤولة والقائمة على مفاصله في البنى التشريعية والتنفيذية والقضائية ..الخ، فبقدر تقليص أشكال التبجيل والاوهام, بقدر ازدياد وتيرة الواقعية والصدق في اختيار سبل التطور المستقبلي. ولا داعي إذن للتردد ، ونحن ندرك أن الخوف على الراهن الموجود ، هو شهادة على العجز وعدم القدرة على التجديد وصنع الافضل المتطور . ويكفي أن ندرك أن اخطر ما كنا نمارسه هو دفاعنا المستميت عن واقع الحال، الذي كان يقوض أي أمل بإمكانية الإبداع الاجتماعي للتغيير على غرار ليس بالإمكان أفضل مما كان. ومن الخطأ القاتل أن نعيد التعاطي بالفهم الخاطئ والتعامل المتحجر الذي عشناه خلال سنوات الحكم الشمولي الاستبدادي الفردي، حين كنا ننظر الى البرامج والاوامر المنزلة من "فوق" بنوع من القدسية، وظلنا نفسر الكثير من الظواهر السلبية بأنها خروج نشاز عن هذا (المطبخ الشمولي). أما المنجزات فنوظفها لحساب السياسة الشمولية (الرشيدة) ومن المؤسف أنه كانت تسخر لترسيخ هذه المفاهيم المغلوطة والذهنية المتحجرة كل الوسائل ، بما فيها وسائل الإعلام والتثقيف السياسي والفكري التي اقتصرت على وضع أحكام معينة وجاهزة بعيدة كل البعد عن تلك الظروف التي نعيشها. إننا بحاجة فعلاً الى الاهتمام بالقيم الروحية في هذه المرحلة بالذات فالهدف من ثورة التغيير هو تطوير الشعب في مختلف نواحي الحياة. ولكن هذا الهدف ينبغي فهمه لا كهدف من المسلمات الموجهة من "فوق"، بل كحاجة موضوعية للإنسان في معالجة اوضاعه وتطوير مستواه الحياتي. وبتغير الجو الروحي والثوري للمجتمع، نكون قد مهدنا لأرضية خصبة للتغيير الشامل، وفي كل الأحوال ينبغي التريث وعدم الاستعجال الذي يشبه التهور والاندفاع المغامر في خوض المعركة..! فالمفروض في التغيير الثوري استئصال أورام الوباء من جسم المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبما يخلق مناخاً صحياً يساعد على تحسين أوضاع الناس الحياتية، لكن ثورة التغيير ذاتها تحمل طابعاً يتسم بالتعقيد وتعاقب المراحل. فأحياناً تحمل بعض الافكار والتصورات الخاصة بالتغيير طابعاً خيالياً تجريدياً اساسه أوهام طوباوية. وهذه الأفكار والتصورات لاتقدر تعقيد استراتيجية عملية التغيير التي رغم امتلاكها لطاقات دفع هائلة لا يمكن ان نتخيلها مكتملة في ليلة وضحاها. هذه المبالغات في نظري تقود، دون شك، إلى فهم مشوه لثورة التغيير، وبالتالي إلى إحباطات لا داعي لها . فمثلما أن الفساد وخلل الاقتصاد لا يداهم الوضع دفعة واحدة ، بل يتسلل اليه عبر مراحل زمنية، فإن التغيير لا يسري في جسم الواقع بين ليلة وضحاها. [email protected] ........ (يتبع) رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=460300420675705&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater