إن التغيير، في اعتقادي ، لا يقل عن منظومة متكاملة من السياسات الثورية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. الخ ، لا يمكن تطبيقها دفعة واحدة، فضلاً عن عدم يقيننا بالجوانب الناجحة في سياسات التغيير المفترضة، والجوانب التي قد تصطدم بالواقع وتتلاشى، وهذا إن كنا نؤمن بالتجربة كمقياس للمعرفة واليقين من المسميات النظرية. والتغيير كبرنامج نظري ثوري، يتطلب تطبيقاً تدريجياً في مختلف المجالات يفضي إلى بلورة مفاهيمه وقوانينه ونظمه وكامل منظومته ، على الواقع العملي ، حتى يقوم ويتحقق على التجربة وتبيان مواطن الصواب والخطأ ، وليس بالطريقة التي يعتقدها البعض بأن النتائج مكفولة في المقدمات وهو خطأ نظري يسمى في الفلسفة بالقياس "الاسطي" الذي كان سائداً في عهد المدرسة الوسيطة، اي قبل بدء عهد العلم الطبيعي الحديث القائم على التجربة والملاحظة. غير أن المهم في التغيير، بروحه الثورية الشاملة هو امتلاك الإرادة الذاتية للفرد والمجتمع في مواجهة الاخطاء وبؤر الفساد والبيروقراطية والفوضى الادارية والمالية .. فبقدر ما نستطيع تطبيق هذا الفعل الثوري، بالقدر ذاته يجب ان يكون التصحيح قوياً وحاسماً ، والارادة الصلبة لا تلين ولا تتراجع امام محاولات الثورة المضادة ..! وفي ظني أن هذه العملية الثورية من الصعوبة بمكان بحيث يمكن الركون في تحقيقها على حسن النوايا وطيب الخاطر ، بل ان هذه العملية لا تستقيم الا بالتمسك الصارم بمجموع القوانين والنظم واللوائح المنبثقة عنها و القيم والمبادئ المعبرة عنها و جعلها سقفاً لجميع سياساتنا وممارساتنا ومواقفنا في مختلف حلقات الاجهزة الرسمية والشرائح الشعبية. وليس ثمة مبرر للتغاضي عن سلوكيات وتجاوزات الطامعين والمتسلطين والفاسدين الذين عبثوا ويعبثون بمقدرات الشعب والوطن . بل ليس ثمة منطق ان نظل كما هي العادة يحدونا الأمل بالهداية لهم الى سواء السبيل، ونكتفي بأن نصنفهم ضمن الغارقين في الاخطاء وذنوب الكسب غير المشروع وينتهي الامر عند هذا الحد ..! بل إن على الجهات المعنية تقويمهم وإصلاحهم ، لكن وفي هذا السياق فإن الحاجة الاكثر إلحاحاً هي تطبيق مبدأ الثواب والعقاب. ومن المفروض في الذين يتولون الحكم والمسؤولية في اي مجال نزاهة السلوك وإنسانية الهدف، والعمل بروح الوطنية الحقة، وليس بشيء آخر كآفة الوراثة او افضلية الحسب والنسب على حساب القوانين والمصلحة العامة. وعلى المسؤولين أن يعلموا أن فاقد الشي لايعطيه ، فيبدأوا بأنفسهم تهذيباً وورعاً وحرصاً على المصلحة العامة. فالمطلوب إذن أن نبدأ بترجمة التغيير ، ولا يجب ان نتوقف عند الجدل حول من أين نبدأ، مثلما توقفنا مضيعة للوقت عند المعضلة حول ما الذي ظهر أولاً : البيضة أم الدجاجة ..؟! (يتبع) رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=460781000627647&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater