{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}،” لاتحزن إن الله معنا” ،”مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”،”كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى”.”الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ”. (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.. آيات عظيمة وآثار نبوية قبسات جسدتها هجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ودروس عظام تحتاج إلى تطبيق في واقع أصبح المسلمون فيه اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الرجوع إلى سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لاستلهام العبر والدروس منها، وعلى الأخص هجرته من مكة إلى المدينة، والتي هي معين لا ينضب، للجيل المسلم والأمة المسلمة التي تعيش في أحلك الظروف، وأصعب الأوقات؛ حيث تجمّع الأعداء عليها، وتداعوا على حربها وإبادتها، بسبب عقيدتها الإسلامية، وتمسكها بسنة نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم)، وليس لها من مخرج إلا مزيدًا من الاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، والثبات أمام كل التحديات والمغريات، وعدم التنازل عن حقها في الحياة الكريمة العزيزة التي ترتفع فيها رابطة الإسلام، وتعلو بها كلمة التوحيد. إن الهجرة النبوية تحمل في طياتها دروساً عظيمة لا تعد ولا تحصى، ويكفي أن نستلهم منها ما يجب علينا أن نفعله في واقعنا وخاصة الواقع اليمني المنهك، وما يجعل هجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ربيعاً دائماً، صالحاً لكل زمان ومكان؛ وأهم هذه الدروس: الأخذ بالأسباب، والأمل والثقة في النصر؛ فيمننا الجديد يحتاج إلى أن نأخذ بكل الأسباب التي توصلنا إلى قارب النجاة، وخاصة لما يلم الشمل ويوحّد الكلمة في الحوار الوطني القادم؛ اقتداء برسول الله وصاحبه أبي بكر الصّدّيق اللذين بذلا كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة، فإذا أخذنا بالأسباب فإن الله سيكمل لنا كل ما يحدث من نقص خارج عن إرادتنا، ولنا عظة وعبرة في ما حصل لعيون المشركين التي أغشاها الله تعالى أمام بيت الرسول فلم يروه وهو خارج، ولم يجعلهم يلقون نظرة واحدة داخل الغار حتى لا يروه وصاحبه، وأساخ أقدام فرس سراقة في الرمال وألقى الرعب في قلبه، وشرح صدور بريدة وقومه للإسلام فآمنوا وقد خرجوا مشركين فعادوا مسلمين، وفي عدم الإكثار في الالتفات في الطريق، وفي الأمل بالنصر بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة. ومن الدروس أيضاً أن نحرص على الصحبة، وخاصة الصالحة منها، ولنا أسوة باختيار الرسول (صلى الله عليه وسلم) أبي بكر الصديق صاحباً له، وبذلك انظروا كيف استعد الصّدّيق للعمل لله تحت أي ظرف، وكان محباً لرسول الله أشد الحب، وبذل وأعطى كل ما بوسعه في إنجاح الدعوة، فحريٌّ بنا اليوم أن نقتدي بالرجال الصالحين الذين يهمهم نهضة وتطور اليمن وعدم رجوعها إلى الوراء، ونختار الرجال المناسبين في الأماكن المناسبة بعيداً عن الواسطة والمحسوبية والرشوة والفاسدين الذين ينخرون جسد اليمن كلما حاول النهوض والارتقاء. ولا يخفى عنا درس القيادة، وكيف كانت الرحلة درساً لنتعلم منها سمات القائد العظيم والحكيم الذي يعيش معاناة شعبه، يهاجر كما يهاجرون، يُطارد كما يُطَاردون، يتعب كما يتعبون، يحزن كما يحزنون، يعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات، ولا يكون هدفه الوصول إلى كرسي السلطة سواء في المحافظة أو الوزارة فيأكل والناس جائعون، ويفرح والناس يبكون. كما لا ننسى درس الدعوة وجهد الداعية في كل مكان وزمان مع أهل بيته وعشيرته ومع الناس أجمعين، ولنا شاهد في الصّدّيق الذي استعمل عائلته كلها في سبيل الله؟ أرأيتم كيف استعمل عبدالله - ابنه - في نقل الأخبار؟ وكيف استعمل أسماء – ابنته - في نقل الطعام والشراب؟ وكيف استعمل عامر بن فهيرة – مولاه - في إخفاء آثار الأقدام؟ فكيف حالنا مع الدعوة وعائلاتنا التي نحن مسؤولون عنها قبل غيرنا؟ وهل بدأنا بتغيير أنفسنا وأهلينا قبل أن يلومنا الآخرون؟. إن ربيع الهجرة يناشدنا أن نستلهم تلك الدروس، ويثبت لنا نهاية مرحلة وبداية عهد جديد؛ فإذا كان الاهتمام الرئيس لرسول الله في هذه المرحلة أن يبني الجانب العقائديّ عند الصحابة، فإنه ينبغي علينا أن تكون عقائدنا سليمة في الصبر والتحمل من أجل بناء اليمن الجديد، إضافة إلى التمسك بالأخلاق الفاضلة، ونقف بصلابة أمام كل فتن الدنيا؛ لأنه بغير الإيمان والأخلاق والصبر على البلاء لن تكون هناك أمة ودولة وسيادة وتمكين، ولأن الجانب العقائدي الصحيح يسمو بالأخلاق والأرواح، ويهذب النفوس، ويعرف الناس أن الطريق الطبيعيّ للجنة أو للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة طريق شاقّ صعب، مليء بالابتلاءات والاختبارات، فيستعدوا لمواجهتها. إن ربيع الهجرة لابد أن يعلمنا أيضاً الإيمان والثبات على الحق من أجل إقامة دولة النظام والقانون، مهما كلفنا ذلك من ثمن، كما يجب أن يعلمنا الاعتماد على الله تعالى بعد أخذ الأسباب؛ لأن الثقة بالله والاطمئنان إلى معيته خير معين أمام تحدي الباطل وجبروته: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا). [email protected]