كشفت التداعيات الأخيرة في مصر عن أزمة الحركات الإسلامية والدينية الحقيقية، وعن عدم قدرة هذه الحركات والجماعات من التفاعل والتعاطي مع المعطيات الديمقراطية والعصرية. تمتعت هذه الجماعات في مصر طوال العقود الماضية بزخم مكنها من لعب أدوار تاريخية مهمة وبرزت كقوة اجتماعية وسياسية قوية، ولكنها فشلت في الاستمرار بنفس ذلك الزخم أو الحفاظ على مكتسباتها التاريخية منذ تأسيسها أو منذ أيام قياداتها التاريخية وعلى وجه الخصوص حسن البناء والسيد قطب. وكان يعتقد الكثير من المراقبين بأن هذه الجماعات ستنكسر لمجرد وصولها للسلطة، فها هي الجماعات تفقد الكثير من ألقها وبريقها في بضعة أشهر قضتها في السلطة فبقرار متعجل من الرئيس مرسي قضت على ما حققته من مكاسب، وفقدت شعبيتها. وهذا الفشل لم يفقد هذه الجماعات لزخمها في مصر فقط، وإنما في كل البلدان التي تحكمها هذه الجماعات، أو تتمتع فيها بقوة حضور وتأثير سياسي على منابع القرار السياسي. فسلوك هذه الجماعات وانقيادها الأعمى للممانعة والاستبداد والمواجهة، وصدامها الدائم مع كل ما هو جديد وديمقراطي أفشل مشروعها في مصر وفي مختلف بلدان الربيع العربي. التصرفات اللامسئولة للرئيس مرسي أفقد الجماعات الإسلامية شعبيتها وزخمها وربما أن ذلك أثر سلباً وكما أسلفت على مواقع الكثير من هذه الجماعات في الكثير من البلدان العربية والإسلامية في اليمن برزت هذه الجماعات حاملة لمشروع التطرف والغلو الدموية والإصلاح الذي قدم نفسه كحامل للاعتدال لم يستطع الحفاظ على ذلك، بل قدم نفسه رسمياً على أنه حزباً لا يقبل بالآخر، وبالتعدد والتنوع الثقافي والفكري والاجتماعي حزباً أجاد فلسفة الاقتصاد والتطرف والانتهازية فأعتقد بأنه قد ملك السلطة والقدرة وأصبح بمقدوره أن يكون بديلاً مقبولاً للنظام السابق.. ولهذا بات من الضروري القضاء على شركائه التاريخيين في الفترة الماضية، وفرض سياسة الأمر الواقع، وهو ما بات يعرف بالخطر القادم من الساحات وقد ظهر ذلك جلياً وواضحاً في أسلوب إدارة الساحات، وتعاطيه مع شركائه في الثورة.. باعتماده على سياسة الكر والفر والمناورة، وتوجيه الضربات الموقعة لمن قاسموه كسرة الخبز وشربة الماء، ويتكرر هذا السلوك مراراً وفي عموم ساحات الوطن. لأن شركائه يقتنعون بهكذا تبرير.. أو أنهم يقبلون على مضض في مثل هذه السلوكيات رغبة منهم في الحفاظ على بقاء شعرة معاوية، والحفاظ على ما تحقق من وفاق محدود مع هذه القوى.. مستفيداً مما يحصل عليه من دعم إقليمي ودولي من قبل بعض البلدان أو الحركات الإسلامية المؤثرة في السياسة الدولية والدول التي تقدم دعماً مالياً للتغيير بالإضافة إلى ارتباطه القوي بقوى التطرف التي تمسك بمفاصل القوة والمال. وفيما يعتقد البعض بأن التحالف الجزئي الذي وجد بين الإسلاميين في إطار الإصلاح والأحزاب اليسارية المنضوية في اللقاء المشترك قد روض قوى الإصلاح وجنبهم الانخراط في المشاريع الإرهابية. فيما يعتقد الكثير من القوى والمعنيين بقضايا السياسة بأن الأمر مختلف كثير ، فالأحزاب اليسارية المنضوية في إطار تجمع اللقاء المشترك خسرت الكثير من جماهيرها وأعضائها بسبب ارتباطها بهذه القوى الإسلامية، التي تعتبر التحالف مع القوى اليسارية آنياً باعتبارها تيارات غير مسلمة، والاشتراكي مثلاً والذي تأسس على أساس مشروع وطني تحرري ووحدوي، فقد الكثير من جماهيره وأعضائه الذين يتعرضون دوماً لصدام مع هذه القوى المتزمتة فالإصلاح حول القوى المتحالفة معه إلى قوى هامشية ملحقة وتابعة وتفتقر للاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار، وهنا شعر نشطاء هذه الأحزاب بالاغتراب داخل الساحات، وبالتذمر والتبرم، صاحبه حالة من عدم الرضا فانقسمت الساحات فيما بينها، وبرزت سلوكيات أقرب إلى البلطجة من سلوك الثوار.. ويتذرع الكثير ممن ينتقدون المشترك عن الهيمنة الإصلاحية والتحالف مع القوى التقليدية الاستبدادية، الممانعة للتغيير أي القوى المتهمة سياسياً وشعبياً بمناهضتها للتغيير، ومقاومتها لكل محاولات بناء الدولة وسيادة القانون، وهي المتهمة أيضاً تاريخياً باختطاف الثورة من أيدي مفجريها، وهذه التصرفات أصبحت معيقة للتغيير والقضاء على الفساد وهي وضعت الناس أمام خيارين أما القبول بهذا الوضع أو الارتهان ثانية للفلول التي لا تزال متربصة بالسلطة. الناس قد يقبلوا ببقايا النظام السابق وقد لا يقبلوا بقوى مناهضة للتغيير ومعادية لثقافة الآخر حتى وإن كانت هذه القوى منضوية في إطار اللقاء المشترك. ويترتب على هذا الوضع الموقف من الحوار الوطني، واستحقاقات الشعب في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، بنظام سياسي يقبل التعايش مع الآخر وثقافة الآخر.. يقوم على الشراكة في بناء الوطن وقيادته.. نظام يرتكز على قواعد العقل الجمعي اللامركزي، وعلى مسئولية المجتمعات المحلية في إدارة شئونها بعيداً عن تأثيرات المركز وممثليه في المحليات. والثقافة التي حكمت طويلاً وأصبحت تتحكم بالقرار داخل المشترك لا تزال قوية ومؤثرة ولا تزال متهمة شعبياً على أنها جزء من الماضي ومن الفوضى، وعليها التنحي جانباً.. وهذا ما أدركه الدكتور ياسين سعيد نعمان الأكثر تعصباً وتشيعاً للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وبالتغيير الجذري والشامل، وبالمشروع الحامل لهذه الدولة التي بالتأكيد ستحترم التعدد والتنوع الثقافي والفكري والسياسي، دولة ترعى في إطارها مختلف الثقافات الوحدوية والانفصالية، والمطالبة بالفيدرالية على أساس تعدد الأقاليم وكذا الحاملة للامركزية واللامركزية الإدارية. جميع هذه الثقافات والتنوعات تحتاج لدولة مدنية ديمقراطية حديثة ترعاها وتحميها من التعسفات.. فهذه الدولة هي المعنية بحماية هذه الثقافات، وهذا ممكن إذا تخلت القوى الممانعة والاستبدادية عن مشروعها، وقبلت بالآخر وبثقافته الحاملة لهذه الدولة العصرية الحاملة لهذا المشروع. فما حدث في بلادنا أحدث انقساماً اجتماعياً كبيراً في الوعي التغيير في ظلها إلى مجرد صراع داخل القوى التقليدية المختلفة.. حيث وصلت إلى حالة من الافتراق وأصبح كل طرف يقدم نفسه على أنه هو البديل الفعلي للآخر. وفي ظل هذه الثقافة الاستبدادية اقصيت القوى الثورية والشبابية من المشهد السياسي سواء من تمثيل ضعيف وهامشي يكرس واقع الانقسام. رابط المقال على الفيس بوك