لا أعرف سبباً وجيهاً لرفض مبدأ الحوار إلا في كونه عدم اعتراف بالآخر، ولا أعرف كذلك سبباً وجيهاً لوضع شروط مسبقة للدخول في هذه التسوية إلا في كونه رفضا لها ..وعندما تغلق هذه الأطرف نوافذ التواصل فإنها تكون قد سدت أمام اليمنيين تسرب بارقة الأمل في إمكانية الخلاص من أسر تداعيات الماضي والولوج إلى المستقبل بروح جديدة تؤسس للدولة اليمنية الحديثة المتطورة ، بل إن إسدال ستارة تجحب التفاؤل سوف يفتح -ولاشك- أبواب جهنم على امتداد رقعة الأرض اليمنية ..ويكفينا للتدليل على ذلك تلك الفترات المريرة والعصيبة التي مرت بها اليمن خلال مرحلة ما قبل قيام الجمهورية اليمنية، حيث شهد كل شطر على حدة اقتتالاً داخلياً دموياً فضلاً عن الحروب الشطرية وبحيث لم يكن بمقدور أي طرف اعتساف الحقيقة الكامنة وراء تلك التداعيات بغير الجلوس الى طاولة الحوار والتي أفضت- فيما بعد – إلى صياغة عقد قيام الجمهورية اليمنية عام 1990م . عندما نتحدث عن أهمية الحوار بين مختلف مكونات المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية فإننا لا نتحدث عن أمور هلامية ومستحيلة بل إننا نتحدث عن قيمة حضارية وفعل اجتماعي لابد من الاقتناع به أولاً كونه المخرج الآمن من التحديات الراهنة التي تقف حائلاً دون انجاز وإكمال التسوية السياسية والاقتناع به ثانياً كونه أيضا يصون مقومات المجتمع اليمني وسلامة أمنه الداخلي ووحدة أرضه ونسيجه الاجتماعي ،خاصة أن الرهان على اعتماد خيارات بديلة عن الحوار لم تفض إلى نتيجة محمودة بل ستقود إلى كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى . مثل هذه الحقائق لا ينبغي القفز عليها ونحن نبحث في صيغ تصون حاضر ومستقبل الوطن وتجنبة مخاطر الانزلاق إلى أتون حرب مدمرة، حيث تستدعي الحكمة اليمنية التعامل مع هذه الوقائع بعقلية حاضرة وذهنية صافية ونوايا صادقة لما يصون وحدة واستقرار و ازدهار اليمن خاصة ان الظروف الأقليمية والدولية المواكبة لمسارات التسوية هي الضمان لكل الأطراف بأن تكون مآلات ونتائج الحوار الوطني مستجيبة للرغبة بقيام نظام سياسي جديد يأخذ بعين الاعتبار البواعث التي دعت كل أبناء الوطن الخروج إلي مختلف ساحات الاحتجاج للمطالبة بالتغيير سواء في الجنوب أو الشمال ..وقد حانت لحظة جني ثمار تلك التضحيات من خلال كل هذه المساعي الداخلية والخارجية للمساهمة في نهضة اليمن على أسس جديدة وحديثة ومتطورة تلبي تطلعات كل أبناء الشعب وتحقق لهم مبادئ العدل والمساواة والحرية .وتزيح عن كاهلهم كل المظالم وأشكال القهر والاستبداد. الحقيقة لقد بدأ الوقت ينفد منذ أنهت اللجنة الفنية للحوار الوطني أعمالها المتعلقة بالترتيب والتهيئة الفنية والإدارية لانعقاد الحوار الوطني ...وقد حان الوقت للمشاركة الفاعلة في مؤتمر الحوار، باعتباره المخرج الآمن والكفيل بتوصل جميع الأطراف المعنية إلى أرضية من التفاهمات والقواسم والمشتركة والحلول المرضية دون اعتساف للحقائق أو التلويح باللجوء إلى خيارات ومشاريع الانفصال أو أية مشاريع أخرى تهدف إلى تفكيك اليمن وتحويله إلى مجرد كانتونات تدفع بالتجربة إلى مجاهل لا تحمد عقباها. ومن الواضح أن تلك المطالب التي تناقض تركيبة المجتمع الواحد وثقافتة وتكوينه النفسي والوجداني كشرط للدخول إلى الحوار قد قوبلت بالرفض والتحفظ من الرعاة في المحيطين الإقليمي والدولي ..وهاهي - مساع إضافية في إطار تعزيز الثقة- قد بدأت تتبلور من خلال جهود حثيثة ترعاها ألمانيا الاتحادية التي خاضت هي الأخرى تجربة اتحادية مشابهة مطلع تسعينيات القرن المنصرم ..وهو ما سيضفي زاداً من الاستفادة من أخطاء وسلبيات الماضي وتعميق مفاهيم معالجتها واجتثاث مترتباتها ولما يخدم تهيئة مناخات الثقه للبدء في عملية الحوار الوطني الذي تعلق عليه الآمال العراض لتدشين المرحلة الثانية من التسوية وانجازها بالصورة التي تضمنتها المبادرة الخليجية المزمنة دون أي تعطيل أو تأجيل . إن كل ما يأمله ويتمناه المواطن اليمني البسيط من الرعاة الإقليميين والدوليين وباقي الدول الشقيقة والصديقة الأخرى التي بادرت الى تقريب وجهات النظر وتقليص المسافات بين الاطراف هو بذل المزيد من هذه الجهود والتي لن يكتب لها النجاح -بالتأكيد -دون أن يستشعر الفرقاء اليمنيون عظم وحجم المسؤوليات الوطنية الملقاة على عواتقهم..وأن يكونوا أول من يساعد نفسه قبل أن يسانده الآخرون خاصة أن المناخ الاقليمي والدولي الملائم لانجاز مسار التسوية لم يتأت لأي بلد من بلاد الربيع العربي من حيث الوفاق والإجماع الأممي على التسوية في اليمن وهو ما لم يتح تجاه المشكلات التي ظهرت عقب ثورات الربيع .. ونخشى -نحن في اليمن –أن تنحسر مظلة الوفاق الأممي عن سماء التسوية السلمية وعندها لن ينفع عض أصابع الندم !! رابط المقال على الفيس بوك