على كثرة الجمعيات والمؤسسات الخيرية في بلادنا إلا أننا لازلنا نشكو من وجود ثغرات إدارية يفقد العمل الخيري على إثرها شيئاً كبيراً من أهدافه ومزاياه التي يجب أن تسمو أكثر إلى مستوى الفضيلة وأن تكون سلاحاً يقطع رأس الرذيلة، تلك الرذيلة التي يكون الفقر الشديد والحاجة الماسة سبباً في حدوثها. في قصتي مع امرأة وجدتها على الرصيف قدراً ما يثبت وجود ذلك الخلل في تسيير ومنهجية العمل داخل الجمعيات والمؤسسات الخيرية حيث اشتكت المرأة أنها تعول عشرة أبناء أكبرهم في التاسعة عشر من العمر واصغرهم في شهره الرابع فقط ارغمها للخروج بحثاً عن رزقهم عائلها المستهتر الذي باع منزلها ليحتسي بثمنه الخمر ويلهث خلف بنات الليل مرتكباً في حقها وحق أبنائه أبشع أنواع الجرائم التي يرفضها العقل وتنفر منها الفطرة السوية. وبدأت معها مشواراً طويلاً لتأمين الغذاء لهؤلاء الأطفال لكن دون جدوى فالإجابة التي كنت أحصل عليها من أكثر من جمعية هي التخصص في كفالة الأيتام، ومن تقبل منهم الأمر بتأثر كبير وضعني أمام خيار وحيد وهو الانتظار حتى يتم إدراجها ضمن كشف المستحقين وإرساله إلى الداعمين من أهل الخير خارج الوطن مطمئناً إياي أنه عام واحد فقط ويكون باستطاعتها الحصول على تغذية تضمن لها اطعام أولادها، دون أن يسأل أحدهم ضميره الإنساني: وما عساها تطعم جوفها وأطفالها خلال عامٍ كامل قد يكون الأمر من بعده وقد لا يكون؟! ووجدت نفسي أمام سؤالٍ صعبٍ جداً: هل أصبحت الإنسانية تخصصاً؟! ووجدتني انفعل أمام أحدهم مخاطبة إياه بلهجة استخفاف لم أعهدها من نفسي مطلقاً بعد أن زرت المرأة في غرفتها الوحيدة المأهولة بعشرة أطفال يرقد أحدهم على الآخر متضوراً جوعاً وبرداً، قلت له: لو أنني لجأت لمنظمة أجنبية واخبرتهم بما أخبرت ما بقوا ساكنين خلف مكاتبهم كما تفعلون يا من تعلقون الإسلام على جدران مكاتبكم كأرخص ما تكون الشعارات، ولو أنني قلت أن عشرة كلاب تكاد تموت جوعاً لموت عائلها لإحدى تلك المنظمات لانطلقت قافلة إغاثة لتقف حائلاً بين الكلاب وبين الموت جوعاً، بل أنني حين أقبلت على احدهم متحدثة معه بمنتهى الجدية أننا بحاجة إلى عملية إسعاف عاجلة حتى لا ينخرط هؤلاء أو والدتهم للعمل في أي قناة تخريبية أو لا أخلاقية تزيد طين الوطن بله وجدتهُ يأمر سكرتير مكتبه ببعض القطن والشاش والمايكروكروم (المعقم) كاستجابة منه لطلب الإسعافات الأولية لذلك الجوع الذي تعانيه المرأة وأطفالها العشرة! وهذا يفضح نوايا سيئة ويخفي عيوباً كبيرة لطبيعة العمل الخيري الذي تتبناه بعض تلك الجمعيات ذائعة الصيت بكل أسف ولا زلت أبحث حتى اللحظة عن إجابةٍ شافية لذلك السؤال الذي أرهق مشاعري وأتلف ما تبقى من الثقة بأهل الخير في مجتمعي، هل أصبحت الرحمة تخصصاً؟!! أحدهم يعلق خلف مكتبه آية عظيمة من آيات القرآن الكريم وردت في سورة آل عمران آية (159) يقول فيها عز من قائل (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك....) لكنه وبكل أسف كان فضاً غليظ القلب مع امرأة لا تحمل أي شهادة ولا تجيد أي مهنة وليس لديها عائل عاقل! فهل يجب أن يموت هذا ال(سكير) الذي وجد نفسهُ أباً بالصدفة حتى تتبنى دار الأيتام أبناءه؟! أم أن تلك المرأة يجب أن تقترف وأبناؤها إثماً يزج بهم على إثره السجن ليأمنوا طعاماً ومأوى مهما كان رثاً وزهيداً فقد يكون أهون من الجوع الذي تتجرعه مع ابنائها كل ليلةٍ وهي تشكو الحاكم والمحكوم إلى خالق السماوات والأرض! ألم يسمع أحد هؤلاء عن الفقراء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من مواويل العفاف على وجوه المحتاجين وأصحاب العوز الشديد؟! الأمر لكم أيضاً لتنقذوا إحدى عشرة نفساً من الموت تعيش كلها في حجرةٍ واحدة يقتلها الجوع والبرد وحسرة الاستغناء من أبٍ لا أظنه يستحق عقاباً أقل من حبل المشنقة! ( وما تنفقوا من خيرٍ فإن الله به عليم) البقرة (273).